Tuesday, May 06, 2008


السياسة الخارجية الأمريكية/ الأوربية تجاه الحركات الإسلامية ما بعد الحادي عشر من سبتمبر
سليم الزعنون

شهدت فترة ما بعد انتهاء الحرب الباردة تعاظماً في إدراك دور الثقافة بما تتضمنه من أيديولوجيات وأفكار ورموز في العلاقات الدولية وربما أمكن فسير هذا جزئيا ياعتبار صانع القرار الأمريكي حركات الإسلام السياسي مثل العدو الأيديولوجي الجديد في عالم ما بعد الحرب الباردة واتجاه الولايات المتحدة لتوطيد الاستقرار بالهيمنة بإعلان صانعي القرار الأمريكيين التزامهم بنشر القيم الأمريكية والنظام الديمقراطي الليبرالي في العالم ومن ثم بدت حركات الإسلام السياسي تبرز كأحد التحديات أمام نشر الديمقراطية الليبرالية والثقافة الامريكية وأحد عوائق السياسة الخارجية الأمريكية بهذا الصدد.
وعليه سعت الولايات المتحدة إلى بلورة سياستها الخارجية لمواجهة تحدي حركات الإسلام السياسي من خلال نقل المواجهة إلى داخل هذا الحركات من ناحية و محاولة دفع عمليات إعادة بناء النسق الفكرى للحركات الإسلامية
وبعد بعد إحداث 11/9أصبحت مواجهة الحركات الإسلامية الراديكالية أحد أهم أولويات السياسية الخارجية المريكية ، فكان إعلان الإمبراطورية الأمريكية حربها ضد الإرهاب ، وسعت لصياغة استراتيجيات جديدة لمواجهة الحركة الإسلامية ، من خلال العمل على تحويل دين عالم بكامله ) ودعم ما سمي( الإسلام المعتدل ) .
وفيب هذا السياق ظهر الكتاب الذي الفته شارلي بينارد الباحثة في مؤسسة راند الأمريكية وعنوانه
" الإسلام المدني الديمقراطي : الشركاء والموارد والاستراتيجيات " 2003 ، كتاب مؤسسة راند يوجه صناع القرار في الولايات المتحدة إلى الوسيلة المثلى للتعامل مع الإسلام كأكبر تحدى لمنظومة الغرب الحضارية ، ويضع تصور جديد لإسلام مدني ديمقراطي معاصر ويحدد فرز التيارات الإسلامية من تقليديين ومتشددين وعلمانيين وحداثيين ، ويحدد إستراتيجية لصناعة الإسلام المدني الديمقراطي ويحدد أيضا الشركاء المناسبين لتنفيذ مشروع الإسلام الديمقراطي المدني المتوافق مع قيم الحداثة والديمقراطية والمستقر سياسياً والمتطور اجتماعياً والقابل للنمو اقتصادياً حسب التصور الأمريكي 0
ومن هذه الدراسات كتاب " العالم المسلم بعد 11/9 " الصادر أيضا عن مؤسسة راند عام 2004 الذي يدعو الولايات المتحدة إلى دعم المجتمع المدني المسلم بعد التفريق بين المعتدلين والمتشددين .
ودراسة أخرى صدرت في نفس العام عند جهاز المخابرات الأمريكية تحت عنوان " خريطة العالم 2020 " وتوقعت ازدهار الأيدلوجية الإسلامية وظهور تنظيمات أكثر تطرفاً من القاعدة، ما يستلزم ضرورة قيام الولايات المتحدة لكسب الرأي العام العالمي لصالحها.
توصل هذا التحليل الثقافي الذي تم من خلال جهود علماء اجتماعيين وخبراء استراتيجيين أمريكيين عديدين إلى معادلة تقول إن الإرهاب هو الناتج الأساسي للتفكير الإسلامي المتطرف الذي شاع في البلاد العربية والإسلامية في العقود الأخيرة وتبنته جماعات إسلامية مسلحة أصبحت تمارس الإرهاب ، وحاول التحليل الثقافي الأمريكي البحث عن أسباب شيوع هذا الفكر المتطرف ووجدها في انسداد آفاق الممارسة الديمقراطية من حيث حرية التفكير وحرية التعبير وحرية التنظيم أمام الألوف من الشباب بحكم سيادة النظم الاستبدادية في البلاد العربية والإسلامية ، ولذلك لم يجدوا منفذاً أمامهم سوى الانخراط في الجماعات الإسلامية التي سرعان ما تحولت إلى جماعات متطرفة من المستويات المحلية إلى الآفاق العالمية حيث أصبحت تمارس الإرهاب على مستوى العالم وأحداث سبتمبر دليل على عولمة الإسلام وممارسته على صعيد العالم كله .
ومن هنا يبدأ مأزق الأنظمة العربية, حيث فقدت أهميتها لدى الولايات المتحدة, في ظل تصاعد الإسلام الراديكالي وعجز الأنظمة على مواكبة التطور والسيطرة، وتوفير الأمن والاستقرار في المنطقة ومن ثم العالم وفى هذا يرى ليونارد بايندر في كتابه (الليبرالية الإسلامية, نقد للأيدلوجيات التنموية) 1988, ( إن العلمانية تنخفض معدلات قبولها ومن المستبعد أن تصلح كأساس أيدلوجي لليبرالية السياسية في الشرق الاوسط ) .
وايضاً ترى كونداليزا رايس " وزيرة الخارجية الامريكية " ( إن الولايات المتحدة قد دعمت لعقود طويلة الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط ، لتحقيق مصالحها الأساسية التي تتطلب الاستقرار في المنطقة ، لكن أدى ذلك إلى كبت الحريات دون تحقيق الاستقرار ، إضافة إلى إنتاج جيل من الإسلاميين الجهاديين الذين انخرطوا فيما بعد في تنظيم القاعدة ) .
ومن هنا فان الولايات المتحدة وضعت إستراتيجية لتغيير الأوضاع الاستبدادية في " الشرق الأوسط الكبير " بما يضمه من دول عربية وإسلامية متعددة تمتد من تركيا حتى باكستان ، تقوم أساسا على فرض الديمقراطية فرضاً على النظم السياسية المستبدة ، التي ادت بانغلاقها السياسي إلى شيوع الفكر المتطرف والإرهاب ، هذه المبادرة لاقت رفضاً من الحكومات العربية ، وبناءاً عليه قامت الولايات المتحدة الامريكية بناء على تفكير استراتيجي و تحليل
ثقافي متعمق بصياغة إستراتيجية ( ابستيمولوجية )* ، هدفها الرئيسي إعادة صياغة مفاهيم الإسلام الليبرالي * ، ودعم الجماعات الإسلامية التي تتبناه ، وتشجيع المفكرين والمثقفين الإسلاميين الذين يرفعون لواءه ، وهذه الإستراتيجية المعرفية تعتمد أساسا على كتاب الباحثة شارلي بينارد ( الإسلام المدني الديمقراطي : الشركاء والموارد والاستراتيجيات ) .
وبناءاً عليه ابدي عدد من المسؤلين الامريكين خلال ابريل / 2005 استعدادهم قبول الحوار مع القوى الإسلامية والحركات الإسلامية المعتدلة في حال وصولها للسلطة عبر طريق ديمقراطي ، وكانت وزيرة الخارجية " كوندليزا رايس " من بين الذين اطلقوا مثل هذه التصريحات ، وايضاً " ريتشارد هاس " مديرة إدارة التخطيط في وزارة الخارجية الامريكية .
ومن ناحية أخرى فإن نجاح تجارب إسلامية كانت معتدلة ومقبولة غربياً وعلى رأسها التجربة التركية وبدرجة اقل التجربة المغربية ، بؤشر لولادة إسلاميين جدد – إذا صح التعبير – يحاولون التوفيق بين التوجه الديني والتوجه العلماني من دون أن يشكل هذا التوفيق خروجاً عن الأصالة ، أضفة غلى أن هناك أحزاب إسلامية معتدلة تنادى بالمشاركة في العملية السياسية مثلما تعارض القيام بحملات عنف ضد الدولة ، بل إن هناك تحولاً فكرياً دقيقاً عند عدد من الحركات الإسلامية مثل حركة حماس الفلسطينية وما طرأ عليها من تحول فكرى باتجاه المشاركة السياسية والحوار مع إسرائيل والغرب في حالة الفوز في العملية الانتخابية والاتجاه نحو الاعتدال في الطرح الفكري لمستقبل الصراع مع إسرائيل ، كذلك التطورات التي لحقت بفكر حركة الإخوان المسلمين في مصر في العقود الأخيرة حيث قبلوا الممارسة الديمقراطية ، وقبلوا فكرة الأحزاب السياسية ودخولهم معترك الانتخابات وكان حصولهم على عشرة مقاعد في البرلمان 1987 ، وظهر العمل السلمي للإخوان في الأردن واليمن والمغرب فقد مال فكرهم للاعتدال بعد انخراطهم في العملية السياسية وقبولهم بقواعد
. اللعبة السياسية وهو ما أتج اعتدالاً في الخطاب الإسلامي و الابتعاد عن المثاليات والشعارات الضبابية ونزول الإسلاميين لمشاكل الحياة اليومية ، كل هذه العوامل تعمل على تبديد الكثير من مخاوف الولايات المتحدة من وصول الإسلاميين المعتدلين إلى الحكم بشكل ديمقراطي
ترجمة الأفكار والتوجهات الجديدة بخصوص التعامل مع الحركات الإسلامية المعتدلة جاءت سريعاً من قبل الإدارة الامريكية ، فقد عقد لقاء في بيروت خلال النصف الأول من شهر نيسان / 2005 ضم مسؤلين من وكالة الاستخبارات الامريكية والبريطانية وممثلي اربع حركات إسلامية في فلسطين ولبنان ، وأيضا عقد لقاءات سرية بين قيادات من حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني ومسؤليين أمريكيين وأوروبيين ، وأيضا مؤتمر الحوار الإسلامي الأمريكي في الدوحة نهاية شهر مايو / 2005 ، ويجرى الإعداد لمثل هذه اللقاءات في عاصمة أوروبية ، كما أن هناك تقارير عن لقاءات متكررة عقدت بين ممثلي حماس ومسؤليين أمريكيين برعاية مصرية .
نقطة الانطلاقة الامريكية للحوار مع الإسلاميين تكمن في رؤيتها لطبيعة الإصلاح في العالم العربي ونشر الديمقراطية وتحسين صورتها لدى الجماهير العربية ، الأمر الذي يخلق معه صعوبة استبعاد تلك القوى المجتمعية المؤثرة على توجهات الرأي العام العربي وأبرزها التيارات الإسلامية ، ومن جانب آخر والأكثر أهمية حاجتها للتعاون مع هذه القوى لمقاومة الأفكار الأكثر راديكالية وتطرفاً .
وهنا يرى دانيال بابيس في معرض حديثه عن مواجهة القوى الإسلامية المتطرفة ( إذا كانت المشكلة في جماعات العنف والتطرف فإن الحل يكمن لدى الحركات الإسلامية المعتدلة ، ونقل الصراع حسب وجهة النظر هذه – كونه بين الولايات المتحدة والجماعات الإسلامية المتطرفة والمسلحة إلى أن يكون بين الحركات الإسلامية المعتدلة والمتطرفة - ) .
من جانب آخر فإن التفكير الأوروبي الجديد يتقاطع بوضوح كامل مع الإشارات الامريكية المتكررة إلى ضرورة فتح حوار مع الجماعات الإسلامية المعتدلة في المنطقة ، وما صرح به السفير د. جونتر مولاك " المفوض الخاص لحوار الحضارات في وزارة الخارجية الألمانية بتاريخ 15/4/2005 " يثبت أن هناك توافقاً أوروبيا يشبه الموقف الرسمي الأمريكي الذي أعلن مؤخراً حول ضرورة فتح قنوات للحوار مع القوى الإسلامية المعتدلة حيث قال ( إن ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي سوف يهتمان بمخاطبة الأحزاب الإسلامية المعتدلة التي تحظى بشعبية في الدول العربية والإسلامية التي تسير في طريق العمل السياسي ونبذ الإرهاب ) وذكر أيضا ( أن هناك اتفاقاً أوروبيا على ضرورة إحداث تغير جذري في سياسة الحوار المتبعة مع العالم الإسلامي والعربي والهبوط بالحوار إلى مستوى المواطنين ) ، وعلى ما يبدو أن الموقف الأوروبي كما الموقف الأمريكي ينبع من المصلحة الخاصة ، حيث أن هناك متغيرات رئيسية ساهمت في بروز التوافق الأوروبي الأمريكي حول استراتيجيات الحوار مع العالمين العربي والإسلامي .
وعلى الجانب الأوربي دفع هذ الاتجاه عدة عوامل
الأول / بدأت أوروبا تتعامل مع واقع إسلامي حقيقي بداخلها ، فهذا الواقع لا يشمل وجود مسلمين فقط ولكن هناك نشطاء إسلاميين يتسم معظمهم بالإعتدالية .
الثاني / لا تغفل أوروبا فكرة تركيا ، تلك الدولة التي باتت مرشحة للانضمام للإتحاد الأوروبي فهي ذات إرث وتاريخ وثقافة إسلامية ، كما أن تجربة حزب العدالة والتنمية الذي ينطلق من مرتكزات إسلامية بالأساس أصبحت أكثر توجهاً للأوروبيين عن الاتجاه العلماني الاتاتوركى ذاته ، وتشجع التجربة التركية الأوروبيين على فتح أبواب الحوار للقوى الإسلامية المعتدلة في المنطقة العربية .
الثالث / متغير واقعي ينبع من الأزمة التي تعيشها الأنظمة العربية التي ما زال أداؤها يتسم بالجمود والتحجر ، وأوروبا ترى أنها طرحت شعارات علمانية لم يصاحبها وقائع ديمقراطية أو مشاركة سياسية حقيقية في البلدان العربية ، وهو ما يثبت جمود الأنظمة من جانب ويؤثر على المصداقية الأوروبية من جانب آخر .
الرابع / يرتبط بالدور الأمريكي الذي أصبح أكثر براجماتية ، فالآن تعلم الأمريكيون والأوروبيين أنه آن البحث عن شركاء للحوار يكونوا أكثر شعبية ، وقد ساعد الحوار الأمريكي مع الشيعة في العراق ، أو عبر الانفتاح مع حزب العدالة بتركيا وغيرها في إضفاء هذه الوجهة البراجماتية على سياق ونمط المحور والأطراف .
وعلى الرغم من هذا التوافق بين الجانبين حول ضرورة الحوار مع الإسلاميين فإن الفارق بينهما يتعلق بالصراع العربي الاسرائيلى ، إلي أن كلا الطرفيين لا يزال يرى البيئة الدولية بطريقة مختلفة ، فأوروبا تعطى جانباً من الاهتمام لوضع حل للقضية الفلسطينية في سياق الحوار والإصلاح ، على عكس الولايات المتحدة التي وان ذكرت ذلك ، فإنها في الواقع والممارسة تفضل فصل القضيتين ( الإصلاح ، الصراع العربي الاسرائيلى ) .
وهذا الطرح الامريكى في الفصل بين القضيتين يتوافق مع أفكار إسرائيلية سابقة طرحها بنيامين نتنياهو ، وأكد عليها الوزير الاسرائيلى السابق شيرانسكى في مؤلفه " الديمقراطية في العالم العربي " حيث يرى الاثنين إن سبب فشل السلام هو غياب الديمقراطية في العالم العربي ، وبالتالي يجب ترتيب الأولويات من جديد بحيث تكون الديمقراطية والإصلاح السياسي في الوطن العربي أولا ، ومن ثم الصراع العربي الاسرائيلى ، وهذا ما بدا واضحاً فى حديث المحلل الإسرائيلى " ناتان غوتمان في تعليقه بصحيفة هآرتس بتاريخ 4/5/2005 على " المنتدى الثاني للحوار الإسلامي الأمريكي " الذي عقد بالدوحة معبراً عن إعجابه بما يعتبره تحولاً نوعياً في ترتيب الأولويات في الحوار بين النخب الإسلامية والأمريكية حيث تجنب المشاركون الصراع الفلسطيني الاسرائيلى ، وتركز الحوار على قضايا الإصلاح والديمقراطية .
ولكن تبقى نقطة خلاف جوهرية بين الطرح الأمريكي الجديد في الحوار مع الحركات الإسلامية والرؤية الإسرائيلية ، فأمريكا أدركت استحالة بناء المجتمع العلماني الديمقراطي الذي تخيلته في هذه المنطقة التي يغلب عليها الطابع الديني قبل أى شئ آخر وهو ما دعم فكرة الحوار مع الاسلاميين ، أما شيرانسكى ونتنياهو يشددان على ضرورة محاربة الحركات الإسلامية أولا لأنها تتناقض مع الديمقراطية ، ولأنهما يعتقدان أن الأصولية الإسلامية داعم أساسي للإرهاب ، وهم يطرحون هذه الافكار لتبرير مواقفهم المتطرفة التى ترفض تقديم أي تسهيلات لعملية التسوية السياسية ولإقناع الإدارة الامريكية بضرورة تحقيق الديمقراطية أولا قبل السلام ، لعلمهم المسبق بطبيعة العالم العربي وبما تحدثه هذه الإشكالية من جدال وشد وجذب في الداخل العربي يؤدى لانشغاله بقضايا داخلية .
بناء على ما سبق فقد أدرك الغرب أن مزاج المنطقة إسلامي في ظل تنامي الحركات الإسلامية ، وتؤكد جميع التقارير الإستراتيجية انه لا يمكن تحقيق الديمقراطية فى الشرق الاوسط دون الاعتماد على الحركات الاسلامية نظراً لعمقها السياسي والاجتماعى وفى نفس الوقت فشل وضعف التيارات الليبرالية واليسارية فى تأطير المجتمعات العربية .
فهل هذا يعنى أن الغرب يدفع باتجاه الحركات الإسلامية " المعتدلة " للوصول إلى السلطة السياسية بطريق ديمقراطي على امتداد الوطن العربي ؟
وهل ستقبل الحركات الإسلامية " المعتدلة " بمثل هذا الدور ، وتقدم الدعم لواشنطن ضد ذاتها وأمتها ؟ وما سيكون موقف الأنظمة السياسية العلمانية بهذا الصدد ؟

0 Comments:

Post a Comment

Subscribe to Post Comments [Atom]

<< Home