اللص والكلاب وسرْقة السكين
اللص والكلاب وسرْقة السكين
كنت منتظراً دوري لتطعيم ابني عندما تناهى إلى سمعي صوت إحدى الطبيبات الموظفات تروي مؤمنة على كلام صديق يتعجب متهكماً: تجد الرجل جالساً في المقهى يضع رجلاً على رجل يناقش بحرارة الوضع في العراق وفلسطين ولا يكلف نفسه عناء أن يرفع بصره إلى جوربه المهلهل الذي تطل صوابعه من ثقوبه!
واسترعتني هذه اللهجة المتهكمة والواثقة من منطق كلامها برغم أنني سمعت كلاماً مشابهاً غير مرة مثل قولهم "لماذا تعلوا أصوات الناس دفاعاً عن مسلمي كشمير أو يتطوعون لنصرة إخوانهم المجاهدين في أفغانستان دون أن يقوموا نفس القومة دفاعاً عن الأرض السليبة في فلسطين "
نفس المنطق الأعرج الذي أجدني معه استدعي – رغماً عني – صورة سياسة الفئران السائدة في المنطقة العربية وهذه الصورة – لمن لا يعرف - من مخزون ثقافتنا السياسية في التراث العربي حيث تحكي عن فلاح مضى يتهادى بجوال على ظهر حماره فقابله فلاح آخر لفت انتباهه هذا الجوال فسأله عما فيه فأخبره الفلاح أنه أراد أن يتخلص من فئران الغيط في أرضه فجمعها كلها في هذا الجوال ليتخلص منها بعيداً عن أرضه فسأله الفلاح مستغرباً وهل ترى الفئران تظل ساكنة في الجوال إلى أن تلقى مصيرها ؟! فلاشك أنها ستقرض الجوال لتهرب منه فقال له الفلاح الأول ماذا عساي أن أفعل إذن؟ ؟ فأجابه : بسيطة! ترج الجوال طوال سيرك فتتصادم الفئران ويحسب كل منها أن جاره ضربه فتتعارك الفئران وتنشغل بالعراك إلى أن تتخلص منها جميعاً.
و لا أحسب أحداً لا يستطيع تبين معالم سياسة الفئران هذه في منطقتنا العربية ولعل أهم معالمها إدارة كافة التناقضات في المجتمعات العربية عن بعد أو من خلال الوكلاء الذين غالباً ما يعلنون عداءهم لهذه الدول الإمبريالية التي كانت تحتل بلادهم احتلالاً مباشراً وما فتئت تضمر الشر لنظم حكمهم فقد سعت القوى الغربية لاستغلال الشرخ القائم في العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتوسعته حتى تحول شقاً ثم فجوة بائنة الاتساع فالمحكوم ناقم على الحاكم لمظالمه العديدة فيخاف الحاكم من قومته التي يعلم أنها لن تكون إلا انتصاراً منه فيسعى لإقعاد المحكومين عن الحركة أياً كانت وجهتها ويلتجئ للأجنبي ليستقوي به فيغريه الأجنبي بالمزيد من المظالم والبطش بما يقطع الطريق على إمكان أية مصالحة بينه وبين المحكومين وتتعمق فجوة الثقة لتصبح بحاراً من الشك والتربص فيزيد ارتماء الحاكم في براثن الأجنبي الطامع الذي سرعان ما يستغل الوضع ويزيد من كراهية المحكومين للحاكم زاعماً أنه لا يريد إلا إقرار مبادئ المساواة والعدل والحق وفي الوقت ذاته يسعى الأجنبي لمنع تبلور أية حركة منظمة لمقاومة الظلم وتأسيس مجتمع جديد.
وبمثل هذا الشقاق من قبيل الحرب المستعرة في البيوت بين الرجل والمرأة وبين العلماني والناشط المسلم و بين الشباب والشيوخ وغيرها تبقى المجتمعات العربية تراوح في مكانها إن لم تنحط لدرك أسفل وعلى إفرازات هذه الشقاقات تنشأ شبكة من الفئات المنسلخة عن مجتمعاتها لا انتماء و لا ولاء لها إلا لشهواتها في التحكم والمال بعد أن تربت على فتات النزعات المادية و والاستهلاكية الغربية فأصبحت كما يصف الأستاذ المسيري " الإنسان البالوظة" هذا الإنسان الهلامي الذي لا توجد لديه أية ثوابت ولا مراكز ولا جوهر أو حتى يتخذ شكلاً ثابتاً فهذا الإنسان البالوظة يتشكل كما يراد له حسب مقتضيات الحاجة والموقف الذي يوضع فيه وربما أمكن تشبيه هذه الفئات بكلاب الصيد لولا أن في ذلك إهانة للكلاب وتمر العقود تلو العقود واللص المحتل يسرق اللقمة من الأفواه تارة بالنهب المباشر أو بحيل خسيسة يلتف بها على ضحاياه من هذه المجتمعات المغلوبة أو مستخدماً كلابه المدربة ويبقى اللوم كل اللوم على هذه الشعوب التي لا زالت تأبى أن تتحمل مسئوليتها في العمل الجاد والترفع عن السفاسف لتنظر – على الأقل – أبعد قليلاً من موطئ أقداتمها للتقي موارد الهلكة فقد انساقت ضمن سياسة الفئران فأسلمت نفسها للسكين ومن يلاحظ الطائر الذبيح فور ذبحه يجده يتخبط في جري محموم يسرة ويمنة وكأنه لا يزال به عنفوان الحياة ولكنها ما هي إلا ما يصفه الناس بأنه سرقة السكين التي يحسب الطائر معها أنه لا يزال حياً وإن بإمكانه الهرب في حين أن حركته العشوائية وغفلته لا تزيده من الهلاك إلا قرباً.
فللضحية سماتها النفسية الخاصة التي تجذب إليها المجرم وتؤهلها للوقوع في دور الضحية فالمحتال لا يختار صيداً له إلا أكثر النفوس طمعاً وغفلة في آن واحد فالشعوب العربية لم ترفع عينها – أثراً لسرقة السكين – لتدرك العلاقة الواضحة بين تحرير فلسطين والعراق و تحرير لقمة العيش من ناهبها المريكي وسدنه اللانظام العالمي الجديد فتحت وطأة هذا اللانظام العالمي لم يكن غريباً أن يطالب أحد مسئولي صندوق النقد الدولي بوقاحة ان يدفع الجنوب مقابل نقل التكنولوجيا إليه – وهي التكنولوجيا التي طورقدر كبير منها علماء الجنوب الموجودون في جامعات ومراكز الغرب – كما سبق وأن دفع الغرب ثمن تقدمه الصناعي أيام الثورة الصناعية وهذا المقابل الذي يطالب به هو فتح الجنوب أمام التلوث والنفايات الناتجة عن تصاعد النزعة الاستهلاكية الغربية بل ويذكر تقرير آخر بدم بارد أنه بعد الوفرة التي حققها الغرب اعتماداً على التقنيات العالية بشكل لن تعود معه للصناعات التقليدية أهمية ستصبح المشكلة أمام دول اقتصاد ما بعد الصناعة هي كيفية السيطرة على المد السكاني من دول الجنوب بإبقائها على عتبة الفقر عند حد الكفاف وامتصاص بطالة السكان بأعمال تافهة لا تعدو أهميتها شغل هؤلاء المليارات بطاحونة العمل الوهمي حتى لا تسترد هذه الجماهير وعيها وتنظم نفسها في مواجهة قوى الاستغلال.
وهنا يبرز دور الكيان الصهيوني الذي لا يعدو - كما بح صوت المسيري في وصفه- كلب حراسة لحماية عملية النهب المنظم للشعوب العربية هذه العملية التي يتداخل فيها التدليس الديني بالانتهاك الثقافي بالتسميم السياسي.
إلا إن القسم الأكبر من هذا اللوم يقع على من يسمون أنفسهم بالمثقفين من الأكاديميين والمشتغلين بالشأن العام الذين تنابذوا فيما بينهم فمن قائل إن المعركة مع إسرائيل معركة دينية فنحاربهم بالقرآن كما يحاربوننا بالتوراة وآخر يصرخ محتداً لا إنها معركة مع الرأسمالية الإمبريالية وآخر يقول مدعياً الحكمة دعك من هذا كله فنحن سنسوي الصراع بالاشتباك حضارياً مع إسرائيل ربما يقصد شيئاً مثل قتل العدو باحتضانه وإغراقه بالقبلات حتى يقع دائخاً من فرط الحب وإن كان هناك قلائل مثل الأستاذ محمد عمارة أعلنها بوضوح إن أمريكا تسعى لبسط هيمنتها لبسط إمبرطوريتها على العالم فتسرق اللقمة من أفواه الجائعين في الجنوب
لايمكن الانتظار حتى يستيقظ ضمير اللص ويتوب من تلقاء نفسه و ليس من طبائع المور أن تكف الكلاب عما ألفته وتعودته ويبقى الأمل في أن تبصر هذه الشعوب السكين فتثوب إلى رشدها وتدرك أن "ضريبة الذل" التي تدفعها يومياً من قوتها وعرضها بل ومة حيوات أبنائها حرصاً على " حياة " إياً كانت رداءتها أفدح كثيراً من ثمن العزة وبحبوحة العيش في كرامة فتبدا في التغيير ملتمسة فقه مناهج التغيير وأساليبه وأدواته.
كنت منتظراً دوري لتطعيم ابني عندما تناهى إلى سمعي صوت إحدى الطبيبات الموظفات تروي مؤمنة على كلام صديق يتعجب متهكماً: تجد الرجل جالساً في المقهى يضع رجلاً على رجل يناقش بحرارة الوضع في العراق وفلسطين ولا يكلف نفسه عناء أن يرفع بصره إلى جوربه المهلهل الذي تطل صوابعه من ثقوبه!
واسترعتني هذه اللهجة المتهكمة والواثقة من منطق كلامها برغم أنني سمعت كلاماً مشابهاً غير مرة مثل قولهم "لماذا تعلوا أصوات الناس دفاعاً عن مسلمي كشمير أو يتطوعون لنصرة إخوانهم المجاهدين في أفغانستان دون أن يقوموا نفس القومة دفاعاً عن الأرض السليبة في فلسطين "
نفس المنطق الأعرج الذي أجدني معه استدعي – رغماً عني – صورة سياسة الفئران السائدة في المنطقة العربية وهذه الصورة – لمن لا يعرف - من مخزون ثقافتنا السياسية في التراث العربي حيث تحكي عن فلاح مضى يتهادى بجوال على ظهر حماره فقابله فلاح آخر لفت انتباهه هذا الجوال فسأله عما فيه فأخبره الفلاح أنه أراد أن يتخلص من فئران الغيط في أرضه فجمعها كلها في هذا الجوال ليتخلص منها بعيداً عن أرضه فسأله الفلاح مستغرباً وهل ترى الفئران تظل ساكنة في الجوال إلى أن تلقى مصيرها ؟! فلاشك أنها ستقرض الجوال لتهرب منه فقال له الفلاح الأول ماذا عساي أن أفعل إذن؟ ؟ فأجابه : بسيطة! ترج الجوال طوال سيرك فتتصادم الفئران ويحسب كل منها أن جاره ضربه فتتعارك الفئران وتنشغل بالعراك إلى أن تتخلص منها جميعاً.
و لا أحسب أحداً لا يستطيع تبين معالم سياسة الفئران هذه في منطقتنا العربية ولعل أهم معالمها إدارة كافة التناقضات في المجتمعات العربية عن بعد أو من خلال الوكلاء الذين غالباً ما يعلنون عداءهم لهذه الدول الإمبريالية التي كانت تحتل بلادهم احتلالاً مباشراً وما فتئت تضمر الشر لنظم حكمهم فقد سعت القوى الغربية لاستغلال الشرخ القائم في العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتوسعته حتى تحول شقاً ثم فجوة بائنة الاتساع فالمحكوم ناقم على الحاكم لمظالمه العديدة فيخاف الحاكم من قومته التي يعلم أنها لن تكون إلا انتصاراً منه فيسعى لإقعاد المحكومين عن الحركة أياً كانت وجهتها ويلتجئ للأجنبي ليستقوي به فيغريه الأجنبي بالمزيد من المظالم والبطش بما يقطع الطريق على إمكان أية مصالحة بينه وبين المحكومين وتتعمق فجوة الثقة لتصبح بحاراً من الشك والتربص فيزيد ارتماء الحاكم في براثن الأجنبي الطامع الذي سرعان ما يستغل الوضع ويزيد من كراهية المحكومين للحاكم زاعماً أنه لا يريد إلا إقرار مبادئ المساواة والعدل والحق وفي الوقت ذاته يسعى الأجنبي لمنع تبلور أية حركة منظمة لمقاومة الظلم وتأسيس مجتمع جديد.
وبمثل هذا الشقاق من قبيل الحرب المستعرة في البيوت بين الرجل والمرأة وبين العلماني والناشط المسلم و بين الشباب والشيوخ وغيرها تبقى المجتمعات العربية تراوح في مكانها إن لم تنحط لدرك أسفل وعلى إفرازات هذه الشقاقات تنشأ شبكة من الفئات المنسلخة عن مجتمعاتها لا انتماء و لا ولاء لها إلا لشهواتها في التحكم والمال بعد أن تربت على فتات النزعات المادية و والاستهلاكية الغربية فأصبحت كما يصف الأستاذ المسيري " الإنسان البالوظة" هذا الإنسان الهلامي الذي لا توجد لديه أية ثوابت ولا مراكز ولا جوهر أو حتى يتخذ شكلاً ثابتاً فهذا الإنسان البالوظة يتشكل كما يراد له حسب مقتضيات الحاجة والموقف الذي يوضع فيه وربما أمكن تشبيه هذه الفئات بكلاب الصيد لولا أن في ذلك إهانة للكلاب وتمر العقود تلو العقود واللص المحتل يسرق اللقمة من الأفواه تارة بالنهب المباشر أو بحيل خسيسة يلتف بها على ضحاياه من هذه المجتمعات المغلوبة أو مستخدماً كلابه المدربة ويبقى اللوم كل اللوم على هذه الشعوب التي لا زالت تأبى أن تتحمل مسئوليتها في العمل الجاد والترفع عن السفاسف لتنظر – على الأقل – أبعد قليلاً من موطئ أقداتمها للتقي موارد الهلكة فقد انساقت ضمن سياسة الفئران فأسلمت نفسها للسكين ومن يلاحظ الطائر الذبيح فور ذبحه يجده يتخبط في جري محموم يسرة ويمنة وكأنه لا يزال به عنفوان الحياة ولكنها ما هي إلا ما يصفه الناس بأنه سرقة السكين التي يحسب الطائر معها أنه لا يزال حياً وإن بإمكانه الهرب في حين أن حركته العشوائية وغفلته لا تزيده من الهلاك إلا قرباً.
فللضحية سماتها النفسية الخاصة التي تجذب إليها المجرم وتؤهلها للوقوع في دور الضحية فالمحتال لا يختار صيداً له إلا أكثر النفوس طمعاً وغفلة في آن واحد فالشعوب العربية لم ترفع عينها – أثراً لسرقة السكين – لتدرك العلاقة الواضحة بين تحرير فلسطين والعراق و تحرير لقمة العيش من ناهبها المريكي وسدنه اللانظام العالمي الجديد فتحت وطأة هذا اللانظام العالمي لم يكن غريباً أن يطالب أحد مسئولي صندوق النقد الدولي بوقاحة ان يدفع الجنوب مقابل نقل التكنولوجيا إليه – وهي التكنولوجيا التي طورقدر كبير منها علماء الجنوب الموجودون في جامعات ومراكز الغرب – كما سبق وأن دفع الغرب ثمن تقدمه الصناعي أيام الثورة الصناعية وهذا المقابل الذي يطالب به هو فتح الجنوب أمام التلوث والنفايات الناتجة عن تصاعد النزعة الاستهلاكية الغربية بل ويذكر تقرير آخر بدم بارد أنه بعد الوفرة التي حققها الغرب اعتماداً على التقنيات العالية بشكل لن تعود معه للصناعات التقليدية أهمية ستصبح المشكلة أمام دول اقتصاد ما بعد الصناعة هي كيفية السيطرة على المد السكاني من دول الجنوب بإبقائها على عتبة الفقر عند حد الكفاف وامتصاص بطالة السكان بأعمال تافهة لا تعدو أهميتها شغل هؤلاء المليارات بطاحونة العمل الوهمي حتى لا تسترد هذه الجماهير وعيها وتنظم نفسها في مواجهة قوى الاستغلال.
وهنا يبرز دور الكيان الصهيوني الذي لا يعدو - كما بح صوت المسيري في وصفه- كلب حراسة لحماية عملية النهب المنظم للشعوب العربية هذه العملية التي يتداخل فيها التدليس الديني بالانتهاك الثقافي بالتسميم السياسي.
إلا إن القسم الأكبر من هذا اللوم يقع على من يسمون أنفسهم بالمثقفين من الأكاديميين والمشتغلين بالشأن العام الذين تنابذوا فيما بينهم فمن قائل إن المعركة مع إسرائيل معركة دينية فنحاربهم بالقرآن كما يحاربوننا بالتوراة وآخر يصرخ محتداً لا إنها معركة مع الرأسمالية الإمبريالية وآخر يقول مدعياً الحكمة دعك من هذا كله فنحن سنسوي الصراع بالاشتباك حضارياً مع إسرائيل ربما يقصد شيئاً مثل قتل العدو باحتضانه وإغراقه بالقبلات حتى يقع دائخاً من فرط الحب وإن كان هناك قلائل مثل الأستاذ محمد عمارة أعلنها بوضوح إن أمريكا تسعى لبسط هيمنتها لبسط إمبرطوريتها على العالم فتسرق اللقمة من أفواه الجائعين في الجنوب
لايمكن الانتظار حتى يستيقظ ضمير اللص ويتوب من تلقاء نفسه و ليس من طبائع المور أن تكف الكلاب عما ألفته وتعودته ويبقى الأمل في أن تبصر هذه الشعوب السكين فتثوب إلى رشدها وتدرك أن "ضريبة الذل" التي تدفعها يومياً من قوتها وعرضها بل ومة حيوات أبنائها حرصاً على " حياة " إياً كانت رداءتها أفدح كثيراً من ثمن العزة وبحبوحة العيش في كرامة فتبدا في التغيير ملتمسة فقه مناهج التغيير وأساليبه وأدواته.
0 Comments:
Post a Comment
Subscribe to Post Comments [Atom]
<< Home