Saturday, August 04, 2007

أدوات التحليل الفني كمدخل لتسعير وتقييم أداء الأوراق المالية (2-4)
أولاً: مفاهيم التحليل الفني
تتضمن سوق الأوراق المالية العديد من المستثمرين الذين يمكن أن نطلق عليهم المضاربين وهم غير المقامرين الذين يشترون بناءاً على تخمين ما سيكون عليه السوق بالنسبة لسلعة ما دون أية دراسة بقصد الاستفادة من تغير الأسعار، في حين يسعى المضاربون إلى توظيف أموالهم في أصول مالية تنتج عنها عوائد مستقبلية، ويهدفون إلى اختيار الأصول المالية التي تعظم العائد المتوقع لمستوى مخاطرة معين.
وعليه فإن المضاربة نشاط اقتصادي مرغوب حيث أن المضاربة لا تضيف سيولة إلى الأسواق فحسب، بل ويتحمل المضارب في عمليات المضاربة قدراً كبيرا من المخاطر بدلاً من الفاعلين الاقتصاديين الآخرين الذين يسعون إلى تقليل تلك المخاطر أو التخلص منها ليتفرغوا لعملياتهم الإنتاجية.[1]
كما أكدت بعض الدراسات أن عمليات المضاربة تلطف وتخفف - و لا تزيد - من حدة تقلبات الأسعار في الأسواق، فالمضاربة نشاط ضروري لتسهيل عمليات التحوط التي يقوم بها كافة المنتجين للتأمين ضد تقلبات الأسعار الحادة، ونقل وتحويل مخاطر تغيرات الأسعار الكبيرة للغير وهو ما من شأنه تقليل تكاليف الإنتاج والتسويق للسلع والمنتجات المختلفة.
ولما كان الأمر كذلك كان لابد من توافر أدوات تحليل تتسم بالعلمية لضمان عدم تحول المضاربة إلى مقامرة ، ولتستمر سوق الأوراق المالية مجالاً جاذباً للاستثمار ، حيث يعتمد عمل المضارب والمستثمر بالأساس على النظرة المستقبلية، فمعرفة مستويات الأسعار بعد حدوثها دائماً ما تكون قوتها مطلقة لكنها ليست مفيدة بحال لتحقيق الأرباح، وهو الأمر الذي يعتمد على التنبؤ الصحيح بالمسار المستقبلي للأسعار، ومن هنا تأتي أهمية التحليل الفني كأحد أهم الوسائل المستحدثة لبناء التوقعات واستخلاصها من تحليل حركة السوق، حيث يساعد التحليل الفني على فهم حركة الأسعار في الأسواق المالية والبورصات المختلفة، وبذلك يقدم أحد أهم الأدوات المستخدمة كأساس عقلاني في اتخاذ قرارات التداول ووضع خطط المضاربة والاستثمار.
وقد زاد الاهتمام في العقود القليلة الماضية بالتحليل الفني كوسيلة للتنبؤ، ولعل السبب في هذا يرجع إلى أن ثمة قصور في فعالية الطرق التقليدية في التنبؤ باتجاه الأسعار لكثير من الأدوات المالية ، خاصة مع ارتفاع حدة التذبذبات في الأسواق المالية كافة نتيجة تحرير التجارة العالمية وسهولة تدفق رؤس الأموال بين دول العالم ، وتعويم العملات ، وتخفيف القيود بشكل عام وإطلاق العنان لآليات السوق دون تدخل رسمي أو حكومي في المعاملات لتحديد أسعار الأصول والأدوات المالية.[2]
إن الدراسة الدقيقة لحركة الأسعار - وهي نطاق وجوهر التحليل الفني - تمكن من معرفة الكثير من أسرار هذه الحركة ، ويتيح التحليل الفني الفرصة للتعامل مع السوق بشكل هندسي وكمي بحيث ينزع العاطفة من قرارات البيع والشراء ، واتخاذ المستثمر قرارات التداول على أساس خطة مدروسة بدلاً من اتخاذها في غمار معركة الثيران (الذين يتوقعون ارتفاع أسعار الأوراق المالية ) والدببة ( الذين يتوقعون استمرار مستوى الأسعار او حتى انخفاضه) أو وفق حسابات اللحظة.
فهناك حاجة ماسة لمنهجية تمنع الوقوع ضحية التقلبات النفسية التي تعتري المستثمر مع تقلبات الأسعار في السوق ، فالارتكان إلى مؤشرات دقيقة في اتخاذ قرارات التداول هو وسيلة ناجحة لتعظيم الأرباح وتقليل المخاطر، والتحليل الفني يمد المستثمر بمقومات أساسية لتحقيق النجاح في التداول أهما: التوقيت وتحديد اتجاه الأسعار وإدارة المخاطر، فالتوقيت السليم للدخول والخروج من السوق يحدد مستوى الأداء والأداء الجيد هو اختيار جيد لتوقيت تنفيذ العمليات المالية[3].
ترجع بدايات التحليل الفني إلى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ويرتكز التحليل الفني على أساس رياضي وإحصائي صلب ، فهو تحليل للأرقام يعتمد على عدد محدود من المعلومات الخاصة بكل سوق والمعلنة للكافة ، أهم هذه الأرقام أعلى وأدنى سعر ، وسعر الفتح وسعر الإقفال وحجم التداول، وهو بذلك يعين المراقب لأي سوق مالية نشطة عاى بناء التوقعات لحركة الأسعار المستقبلية
ويهدف التحليل الفني بالدرجة الأولى إلى التعرف على اتجاه الأسعار وكشف إي إشارة تنبئ باحتمال تغير مسارها بأسرع وقت ممكن حتى يمكن الاستفادة بذلك بقدر المستطاع في اتخاذ قرارات الشراء والبيع
تعريف التحليل الفني
هناك العديد من تعريفات التحليل الفني منها: أن التحليل الفني هو دراسة حركة السوق وليس السلع أو البضائع المتداولة به والتحليل الفني عو علم رصد وتسجيل – عادة في شكل رسم بياني – جميع المعلومات الخاصة بالتداول ( السعر حجم التداول تاريخ التداول ...) لسهم معين او مجموعة أسهم ثم استنتاج اتجاه السعار في المستقبل من الصورة التاريخية المرسومة.
ويعرفه "جون مرفي" بأنه دراسة حركة السوق من الرسومات البيانية بغرض التنبؤ باتجاه الأسعار مستقبلاً.[4]
ويرى "مارتن برنج" سوق الأوراق المالية تتحرك في اتجاهات معينة تتحدد وفق تغير مدركات ومواقف المستثمرين لمجموعة من الاعتبارات: الاقتصادية ، والمالية، والسياسية، والسيكولوجية والتحليل الفني ما هو إلا فن التعرف على التغيرات التي تطرأ على اتجاهات الأسعار في مرحلة مبكرة من الوقت وذلك بهدف الاحتفاظ بوضع استثماري يتوافق مع الاتجاه الساري حتى يتحول مسار الأسعار في اتجاه آخر.
والتحليل الفني وفق هذه التعريفات علم وفن فكما يقول "ريتشارد وييكوف" أحد رواد التحليل الفني قال " إن التحليل الفني للأوراق المالية ليس علما دقيقاً ذلك أن أسعار الأسهم مصنوعة من أهواء وآراء الناس" لذلك يضطلع الحدس والحكم الجيد للمحلل الفني غالباً بدور حاسم في صحة التوقعات وفي القدرة على رسم استراتيجيات التداول الناجحة على المدى البعيد انطلاقاً من مقولة تشرشل "كلما نظرت إلى الخلف رأيت أبعد إلى الأمام "
فينصرف اهتمام المحلل الفني - في الأساس - إلى تتبع حركة الأسعار في الماضي على أمل اكتشاف نمط لتلك الحركة يمكن منه تحديد التوقيت السليم للقرار الاستثماري ، فحركة الأسعار في الماضي - وفقاً لهذا المدخل - تعد مؤشراً يعتمد عليه في التنبؤ بحركتها في المستقبل.
وهكذا يمكن القول بأن التحليل الفني مدخل لتقويم الأوراق المالية يقوم على تحليل حركة الأسعار وصولاً لتحديد أنمط واتجاهات عامة تعين على التنبؤ بمسارها المستقبلي بما يفيد في قرارات الاستثمار.[5]
ويعتمد التحليل الفنى على المبادئ التالية:
تميل أسعار البورصة إلى اتباع الإتجاهات السائدة، وتتبع الأسعار كل المعلومات المتاحة فى السوق كما تعتمد على القواعد الفنية وعلى العوامل ذات الطبيعة الغير اقتصادية. و تتمثل العوامل الغير الإقتصادية بالتحديد فى أن سعر السهم يمثل الإجماع وهو السعر الذى يقبل شخص بأن يبيع عليه ويقبل شخص آخر فى الشراء عليه ويعتمد سعر التداول على التوقعات الشخصية فإذا كان المستثمر يتوقع إرتفاع الأسهم فسوف يقوم بعملية الشراء أما إذا كان يتوقع إنخفاض الأسهم فسوف يقوم بعملية البيع وهذه المبادئ البسيطة تمثل التحدى الكبير الذى يقع وراء كل المحاولات اثناء عملية التنبؤ بالأسعار.
أ - افتراضات التحليل الفني
ويستند التحليل الفني على خمسة فروض هي:
1- إن القيمة السوقية لسهم تتحدد على أساس قوى العرض والطلب
2- إن العرض والطلب تحكمه عوامل متعدد منها منطقي وغير منطقي مثل الحالة النفسية للمستثمر والتخمين وغيرها، ومن بين تلك العوامل ما ‏يدخل في نطاق اهتمام التحليل الأساسي ومن بينها ما يبتعد عن هذا النطاق مثل مزاج المستثمرين والتخمين وما ‏شابه ذلك
3- يقوم السوق آليا وبصفة دائمة ومستمرة بإعطاء وزن لكل متغير من المتغيرات التي تحكم قوى العرض والطلب
ووفق هذه الفروض فإن أي عامل من العوامل التي يمكن أن تؤثر في سعر السهم سواء كان هذا العامل اقتصادياً أو سياسياً أو نفسياً فهو منعكس في سعر السهم، فسعر السهم هو اختزال وتكثيف لكل هذه العوامل، وبالتالي فإن دراسة حركة الأسعار هي هدف المحلل الفني الأول والتي منها يستطيع أن يتوقع الاتجاه المستقبلي للأسعار، فحركة السعر تعكس حالة العرض والطلب والتي تشكل أساس اتجاه الأسواق، فإذا كان الطلب أكثر من العرض فإن هذا وضع صحي يدفع لارتفاع السعر مستقبلاً، فالمحلل الفني لا يهتم بالأسباب التي أدت لتحرك السعر وإنما اهتمامه الأساسي هو معرفة الاتجاه المستقبلي للسعر حتى يتسنى اتخاذ قرار المتاجرة أو الاستثمار مع هذا الاتجاه المتوقع.
4- إن سعر السهم يميل إلى التحرك في اتجاه معين ولمدة طويلة باستثناء التقلبات الثانوية أو الطفيفة التي تحدث لسعر السهم من وقت إلى آخر، أي إن حركة سعر السهم تنسجم مع قانون قوة الدفع أو قوة الصدمة ، فيتم التحرك في كل الأسواق سواء في اتجاه صعودي أو اتجاه هبوطي أو توازني، فهدف المحلل المالي هو تحديد الاتجاه الذي يتجه إليه سعر السهم في مراحله الأولى واتخاذ قرار المتاجرة أو الاستثمار في هذا الاتجاه ، فإذا كان الاتجاه سيبدأ في الصعود يعمل المحلل الفني على الشراء والعكس بالعكس.
5 -أن التغير في اتجاه سعر السهم يرجع في الأساس إلى تغير في العلاقة بين العرض والطلب وأن التغير في تلك ‏العلاقة مهما كانت أسبابه يمكن الوقوف عليه - طال الزمن أو قصر- من خلال دراسة ما يجري داخل السوق ‏نفسه.‏[6]
ووفق هذه الرؤية فإنه يمكن بناء توقعات حول المستقبل على أساس معرفة المحلل بالماضي من خلال تحليل حركة الأسعار التي تتضمن تحليل حالة العرض والطلب، وتحليل الحالة النفسية للسوق، فالأشكال البيانية التي تحدد الأنماط والاتجهات قد ثبت نجاحها في الماضي وعليه من المتوقع أن تنجح في المستقبل.
ويمكن إجمال الفروض السابقة في مقولات أن حركة السوق تحتوي على كافة المتغيرات و أن الأسعار تتحرك في اتجاهات و أن التاريخ يكرر نفسه.
هذا هو الأساس الذي يقوم عليه التحليل الفني وكما يبدو فإنه يبتعد كثيرا عن الفكر الذي يقوم عليه التحليل ‏الأساسي. كما انه لا يعترف بمفهوم كفاءة السوق الذي هو الدعامة الأساسية التي ترتكز عليها أسواق راس المال
ب- بين التحليل الفني والتحليل الأساسي
يتحدد هدف التحليل الأساسى حسب الغرض المستخدم من أجله ، وذلك نظراً لتعدد أهداف مستخدميه فمثلا المصارف المقرضة تهدف من استخدام التحليل الاساسى تحديد مدى قدرة الشركة على الوفاء بالقروض التى ستمنحها أو القروض الممنوحة فعلاً خلال مدة القرض ، في حين يهدف المجتمع من جراء استخدام التحليل الاساسى إلى تحديد العوائد والاضرار الاجتماعية والاقتصادية لشركة ما فى الماضى والحاضر والمستقبل .
وعليه فان مناط الاهتمام هنا في الحديث عن التحليل الفنى أو الأساسى من حيث الاستثمار فى الأسهم لغرض تحقيق عوائد سنوية وليس لغرض السيطرة على الشركة أو لتحقيق تكامل أفقى أو عمودى من الاستثمار فى أسهم الشركة.
وعلى حين يدرس المحلل الأساسي كل ما يتصل بالشركة لحساب ما يعتقد أنه السعر العادل للسهم فإن المحلل الفني كل ما يعنيه هو حركة الأسعار بالسوق على أساس أن السعر يعكس كل شئ.[7]
والفني لا يؤمن بالسير العشوائي للأسعار فالأسعار بالنسبة له تتحرك في اتجاهات معينة هذه الاتجاهات تميل إلى الاستمرار في مسارها لحين حدوث تغير في ميزان العرض والطلب ، وعادة ما يمكن ملاحظة هذه التغيرات في حركة السوق نفسها فهي تظهر في شكل أنماط سعرية معينة لها دلالاتها.
إن الرسم البياني للأسعار لايحتوي فقط على كل المعلومات السياسية والاقتصادية بل وأيضاً كل ما ما له صلة بالموضوع لذلك قيل " إن الرسم البياني به كل شئ".[8]
ومن هذا المنظور فإن التحليل الفني لا يعني بتحديد السعر الحقيقي للسهم فهو لا يهتم بتجميع أو تحليل أي بيانات أو معلومات متاحة (مثل ‏الأخبار الاقتصادية وغيرها ) ذلك لأنه ينصرف في الأساس إلى تتبع حركة الأسعار في الماضي على أمل ‏اكتشاف نمط لتلك الحركة يمكن منه تحديد التوقيت السليم للقرار الاستثماري فحركة الأسعار في الماضي تعد ‏مؤشرا يعتمد عليه في التنبؤ بحركتها في المستقبل.‏
وعلى هذا النحو يتسم التحليل الفني بعدد من المزايا التي خلقت له أتباعا ومؤيدين.
وفي مقدمة هذه المزايا السهولة والسرعة، ‏فبمجرد تحديد الوسيلة أوالقاعدة الفنية التي سيعتمد عليها المحلل في التنبؤ بالأسعار يصبح تطبيقها آليا وعلى أي ‏عدد من الأسهم.‏كل ذلك دون حاجة إلى تجميع وتحليل الكم الهائل من المعلومات التي يحتاجها التحليل الأساسي والتي تتطلب وقتا ‏وجهداً وفيراً .‏
إما الميزة الثانية فهي أن أساليب التحليل الفني يسهل تعلمها وتطبيقها بواسطة أي مستثمر مهما كان مستوى ثقافته ‏وهي ميزة لا يتيحها التحليل الأساسي.‏[9]
يضاف إلى ذلك ميزة ثالثة هي أن المعلومات التي يحتاجها المحلل عن الأسعار والصفقات تتاح يوميا بانتظام من ‏خلال التقارير التي تظهر في شبكة الانترنت والصحف المتخصصة وبالطبع الوضع يختلف كثيرا بالنسبة للتحليل ‏الأساسي لان التقارير المالية التي يقوم عليها التحليل الأساسي تغطي فترة ماضية كما انه يصعب الاعتماد علي ‏محتوياتها في حال تلاعب الإدارة بصورة متعمدة في الأرقام.
لذاك ينتقد المحللون الفنيون طريقة التحليل الأساسي من ناحية أنه يستحيل الإلمام ومعرفة كل ما متصل بالشركة او السلعة موضوع التحليل.
أن المعلومات نفسها دائمة التغير ولا يمكن لأحد مهما علا شأنه معرفة كل خبايا السوق أن البيانات والعلومات كثيراً ما تكون غير كاملة ولا دقيقة ودائمة التعديل وأحيانا ما تأتي متأخرة بما يفقدها قيمتها التحليلية
وحتى لو تم الحصول على كل المعلومات وتم تحليلها بدقة وسرعة فإنه يصعب استغلالها في توقيت مناسب يتلاءم مع التحركات السريعة لأسعار السوق .
وتثير هذا النقطة الاعتراض الأساسي على فلسفة التحليل الفني والمتعلق في حقيقة الأمر ‏بمدى سرعة استجابة أسعار الأسهم لما يطرأ على قوى العرض والطلب من تغيير فالاعتقاد في أن اتجاه معين ‏في الأسعار يستمر لفترة طويلة من الزمن يقوم على افتراض أن المعلومات الجديدة التي من شانها أن تحدث ‏تغيرا في العلاقة بين العرض والطلب لا يستجيب لها السوق بسرعة بل عبر فترة زمنية طويلة إما السبب فقد ‏يرجع إلى وجود فئة من المستثمرين يحصلون على المعلومات بسرعة ويجرون عليها التحليل ويتخذون ‏أساسها القرارات الاستثمارية وذلك قبل غيرهم من المستثمرين.‏[10]
معنى هذا أن أسعار السوق تبدأ في التغير استجابة لتصرفات هؤلاء المستثمرين أخذه طريقها لبلوغ نقطة توازن ‏جديدة بين العرض والطلب إما الوصول إلى تلك النقطة الجديدة فلا يحدث إلا بعد أن تصل المعلومات لباقي ‏المستثمرين.‏
‏ وهو ما يتم تدريجيا ويستغرق بعض الوقت فالمعلومات تتسرب أولا من مدراء الشركات وكبار العاملين فيها إلى ‏المحللين من أصحاب النفوذ ثم تأخذ طريقها فيما بعد إلى المستثمرين العاديين وعندما يبدأ وصول معلومات ‏جديدة إلى السوق وتحمل معها أنباء من شانها أن تؤدي إلى تغيير في سعر التوازن بالانخفاض أو الارتفاع عما ‏كان عليه من قبل .‏
وأنصار التحليل الفني يعترفون بان أسعار الأسهم تستجيب للمعلومات الجديدة التي تحدث تغييرا في قوى ‏العرض والطلب ولكنهم يقولون بان هذا التغيير في العلاقة بين العرض والطلب يمكن الوقوف عليه من خلال ما ‏يجري في السوق نفسه أي من خلال حركة الأسعار فيه دون الحاجة إلى المجهود الذي يبذل في تحليل كم هائل ‏من بيانات ومعلومات الاقتصاد والصناعة والشركة .‏
فهذه المعلومات لن تضيف شيئا ما سوى ما تسبب فيه من إرباك فالمحلل الفني ليس بحاجة سوى لمعلومات عن ‏أسعار وحجم الصفقات إضافة إلى أداة يمكن من خلالها اكتشاف بداية التحول من سعر التوازن الحالي إلى سعر ‏التوازن الجديد دون أن يشغل نفسه بمعرفة أسباب التحول.‏
وكما يبدو فان التحليل على هذا النحو يسهم في توقيت اتخاذ القرار الاستثماري الملائم. فلو أن سعر التوازن في ‏طريقه للتحول إلى سعر توازن جديد أقل مع بداية ورود معلومات جديدة حينئذ يكون التوقيت ملائم لاتخاذ ‏قرارات البيع والعكس صحيح .‏[11]
ويلاحظ أن الأسعار تتحرك في السوق على المدى الطويل نتيجة لتفاعل العديد من العوامل الاقتصادية السياسية والاجتماعية أما في المدى القصير فإن الكثير من قرارات التداول تبنى على اختيارات نفسية في المقام الأول حيث إن حركة الأسعار تحكمها تطلعات ونوقعات المستثمرين وأطماع المضاربين وعواطف وآمال ومخاوف كافة المتعاملين بالأسوق.
وعلي حين يركز المعنيون بالتحليل الأساسي على أسباب حركة الأسعار في اتجاه معين فإن اهتمام المحللين الفنين ينصب على مقدار حركة الأسعار ومداها والمدة التي استغرقتها وحجم التداول وأهم من ذلك كله أثر الحركة على وضع السوق ككل، فيركز المحللون الفنيون على دراسة الأنماط السلوكية بأشكالها المختلفة ظواهرها التي غالباً ما تتكرر بما يعين المحلل المالي على التنبؤ الصحيح بحركة الأسعار مستقبلاً فيعير التحليل الفني أهمية كبيرة لمسألة التوقيت توقيت الشراء والبيع.
وعلى حين يدرس المحلل الأساسي كل ما يتصل بالشركة لحساب ما يعتقد أنه السعر العادل للسهم فإن المحلل الفني كل ما يعنيه هو حركة الأسعار بالسوق على أساس أن السعر يعكس كل شئ والفني لا يؤمن بالسير العشوائي للأسعار فالسعار بالنسبة له تتحرك في اتجاهات معينة هذه الاتجاهات تميل إلى الاستمرار في مسارها لحين حدوث تغير في ميزان العرض والطلب وعادة ما يمكن ملاحظة هذه التغيرات في حركة السوق نفسها فهي تظهر في شكل أنماط سعرية معينة لها دلالاتها.
إن الرسم البياني للأسعار لايحتوي فقط على كل المعلومات السياسية والاقتصادية بل وأيضاً كل ما ما له صلة بالموضوع لذلك قيل " إن الرسم البياني به كل شئ"
ينتقد المحللون الفنيون طريقة التحليل الأساسي من ناحية :
أنه يستحيل الإلمام ومعرفة كل ما متصل بالشركة أو السلعة موضوع التحليل، كما أن المعلومات نفسها دائمة التغير، و لا يمكن لأحد مهما علا شأنه معرفة كل خبايا السوق، و كثيراً ما تكون البيانات والمعلومات غير كاملة ولا دقيقة ودائمة التعديل، وأحيانا ما تأتي متأخرة بما يفقدها قيمتها التحليلية.
وحتى لو تم الحصول على كل المعلومات وتم تحليلها بدقة وسرعة فإنه يصعب استغلالها في توقيت مناسب يتلاءم مع التحركات السريعة لأسعار السوق .
يمكن المقارنة بين التحليل الفني والأساسي من عدة وجوه:[12]
من حيث السرعة:
يمتاز التحليل الاساسى بالسرعة بمجرد تحديد القاعدة الفنية التى سيعتمد عليها المستثمر يصبح تطبيقها اليا فى حين يتطلب التحليل الاساسى زمن ليس بالقصير لقيام بدراسة السهم وبظروف القطاع المنتمى اليه السهم وبظروف الاقتصادية.
من حيث المعلومات:
إن من مزايا التحليل الفني أنه يقوم على معلومات وحقائق وأرقام معلنة متوافرة للكافة ففي عصر المعلومات وشفافية الأسواق المالية العالمية فإن كل المعلومات متاحة للجميع دقيقة بدقيقة هذه المعلومات الخاصة بالأسواق المالية هي التي يعتمد عليها الفنيون في صنع قرارات التداول سواء بالشراء أو البيع وتوجيه دفة الاستثمار.
فالمعلومات التى يحتاجها التحليل الفنى متاحة يوميا على مدار الساعة على شبكة الانترنت
( الأسعار الكميات – الاخبار - الرسوم البيانية ) ، أما المعلومات التى يحتاجها التحليل الأساسى فيتطلب تجميعها من مصادر مختلفة ودراستها وتوليد التنبؤات المستقبلية منها .
3) من حيث مستوى التقافى لمستخدم .لا يتطلب التحليل الاساسى من مستخدمه الإلمام بالعلوم المالية والاقتصادية أى يسهل تعلم أساليب التحليل الفنى وتطبيقها مهما كان مستوى تقافة المستخدم ، فى حين يتطلب التحليل الاساسى الالمام مستخدمه بعلوم مختلفة لذا عادة لايقوم المستخدم بنفسه إجراء التحليل الاساسى بل يتطلب مجموعة من الاختصاصات لاتتوفر الا لمؤسسات .4) من حيث الهدف .يحدد التحليل الفنى توقيت الشراء والبيع فى حين يحدد التحليل الأساسى القيمة الحقيقية لسهم .5) من حيث زمن الأحداث .ينتظر التحليل الفنى حتى تقع الأحداث ويرى بعينه التغير فى حركة السهم ثم يتخد القرار بشأنه أما التحليل الاساسى فيتنبأ بالأحداث المستقبلية للسهم موضوع الدراسة ويخرج منها بالقرار. المناسب .6) من حيث العائد التحليل الاساسى يمكنه ان يصل الى نتائج افضل من التحليل الفنى فقد اثبت الواقع ان المستثمر الذى يتبع اسليب التحليل الفنى يندر ان يحقق عائد غير عادى على استثماره .7) من حيث أثر سلوك .يؤدى التحليل الفنى الى اتجاه سلوك المستثمر بيعا أو شراء فى نفس الاتجاه إلى احداث ارتفاع او انخفاض فى سعر السهم فى المدى القصير لا يستند الى معلومات بل يستند الى تطبيق قاعدة فنية فى حين أن سلوك مستخدمي التحليل الأساسى لايأدى الى ارتفاع او انخفاض فى سعر السهم فى المدى القصير حيث إن قرار المحلل الأساسى يستند الى معلومات تنخفض فيها درجة عدم التاكد . مجمل القول أن المحلل الفني يقر باستحالة الشراء بأدنى سعر و البيع بأعلاه ويرى مع ميلتون فريدمان إلى أنه لا يمكن أن يستمر المضارب الذي يقوم بذلك فيربك ويضر بالسوق و يتسبب في عدمة استقراره فذلك المضارب يشتري عند صعود الأسعارويبيع عند انخفاضها وبذلك يحقق الخسائر حيث إنه اشترى غالياً وباع رخيصاً وعليه فإن مصيره حتماً إلى الزوال.
إلا أن المحلل الفني يقول بإمكانية معرفة اتجاه الأسعار ويهدف إلى تحقيق الأرباح بالإمساك باتجاه الأسعار (صعوداً أو هبوطاً) والتعلق به لأطول فترة ممكنة خلال رحلته والهروب من السوق بمجرد عدم وضوح الرؤية المستقبلية لحركة الأسعار وظهور أي بوادر خطر تنذر باحتمال تغير الاتجاه.
وعليه كان فلابد من الارتكان إلى مؤشرات دقيقة في اتخاذ قرارات التداول هو وسيلة ناجحة لتعظيم الأرباح وتقليل المخاطر ولما كان إن تحديد قيمة الأسعار هي الفائدة الكبرى للتحليل الفني فكل السعار لا تتساوى في قيمتها فهناك من الأسعار ما تحمل رسالة معينة لها مدلول تحليلي وتنبؤي كبير وأسعار أخرى غير ذات دلالة والتحليل الفني يرشد للتمييز بين أنواع وقيم الأسعار المختلفة ومعرفة دلالة كل سعر من المنظور التحليلي والتنبؤي.
والتحليل الفني يمد المستثمر بمقومات أساسية لتحقيق النجاح في التداول أهمها: التوقيت وتحديد اتجاه الأسعار وإدارة المخاطر فالتوقيت السليم للدخول والخروج من السوق يحدد مستوى الأداء والأداء الجيد هو اختيار جيد لتوقيت تنفيذ العمليات المالية بينما التحليل الأساسي نادرا ما يعطي قرارا قاطعا بشان توقيت قرار الشراء[13].
1- عبدالمجيد المهيلمي ، التحليل الفني للأسواق المالية ( مكتبة الاهرام ، 2004)، ص.29.
2- لطف الله إمام صالح، منظومة سوق المال المصرية الجهاز المصرفي – سوق الأوراق المالية صناعة التأمين، (القاهرة: الهيئة العامة للكتاب، 2001 ) ص. 7

[3] طارق عبد العال حماد ، التحليل الفني والأساسي للأوراق المالية ، (الأسكندرية: الدار الجامعية 2004) ص.189
[4] ، التحليل الفني للأسواق المالية ، مرجع سابق ، ص. 42
[5] بهاء الدين سعد، الأسواق المالية، الأسواق المالية ( القاهرة: مكتبة عين شمس ،2001) ص. 58

[6] منير إبراهيم هندي، الأوراق المالية وأسواق رأس المال، ( الأسكندرية: منشأة المعارف، 2002)ص.423
[7] د. حسين عطا غنيم، دراسات في التمويل : التحليل المالي ودراسة صافي رأس المال العامل أساسيات الاستثمار وتكوين وإدارة محافظ الأوراق المالية، (القاهرة :المكتبة الأكاديمية، 2005)
[8]Peter Bernstien, The battle of the century: Technical analysis vs. Fundamental analysis, Peter Bernstien Inc., April 1978p.-p. 10-12
[9] - Jerome B. Cohen, Edward D Zenbarg and Arther Zeikel, Investment analysis and Portfolio Management, ( Illinois: Richard D Irwin Inc , 1982)p.295

[10] منير إبراهيم هندي، الأوراق المالية وأسواق رأس المال، مرجع سابق ص. 426-428.
[11] عبدالمجيد المهيلمي ، التحليل الفني للأسواق المالية مكتبة الاهرام ، 2004.ص.41-43.

[12] السيد أحمد لطفي ، التحليل المالي لأغراض تقييم ومراجعة الأداء والاستثمار في البورصة ( الأسكندرية: الدار الجامعية، 2006)، ص. 98-99
[13] Peter Bernstien, The battle of the century: Technical analysis vs. Fundamental analysis, Peter Bernstien Inc., April 1978p.-p. 32-37

0 Comments:

Post a Comment

Subscribe to Post Comments [Atom]

<< Home