Friday, October 12, 2007

مساحات وظلال في خطاب توظيف الإسلام
المرجعية الإسلامية وما وراءها
يتسم خطاب التيار الذي يستخدم الدين لحشد التأييد الجماهيري له بكثير من عدم التحديد و لا أريد أن أبادر فأقول بكثير من التلبيس على الجمهور ومن أهم الأفكار المحورية في هذا الخطاب فكرة المرجعية الإسلامية ولكنها مع محوريتها شديدة الغموض وشديدة الخطورة سواء في تضميناتها أو توظيفها . فهذا التيار ينفي تطلعه للحكم بزعم أنه لا يهمه المهم أن تسود هذه "المرجعية الإسلامية" التي قد يضيف البعض وصف العليا لها فيتحدث عن " المرجعية الإسلامية العليا" إمعاناً في إضفاء هالة من السمو على أفكاره ومن جوانب الغموض في هذا التيار موقفه غير المحدد من التيارات الفكرية والسياسية المخالفة اكتفاءاً بتأكيد حقها في الوجود شريطة ألا تخالف مبادئها "المرجعية الإسلامية العليا" بل يقترح البعض إحلال فكرة سمو المرجعية الإسلامية العليا محل سيادة الدولة "المستوردة" لأن السيادة لا تكون إلا لله تعالى وشريعته والمرجعية الإسلامية هي العاصم حسب زعم هذا التيار من الشقاق الذي تثيره التعددية والليبرالية المستوردة من الفكر الغربي وإذا حاولت أن تفهم ما يعنيه هذا التيار بالمرجعية الإسلامية التي شهروها في الوجوه مثل شعار تطبيق الشريعة و الإسلام هو الحل كان الرد ألا تريد للمسلمين أن يتحاكموا إلى إسلامهم !!
لكن تعلمنا الدراسة العلمية للمفاهيم والأفكار أنها كثيراً ما لا تثير أي نقاش ما دامت في صياغتها النظرية العامة فمن ذا الذي يمكن أن يرفض فكرة الحرية أو يختلف حول مبدأ المساواة لكن النقاش بين مختلف التيارات الفكرية إنما ظهر تاريخياً وسيظهر نتيجة الخلاف حول تفسير هذه المبادئ وحقيقة ما تعنيه وتطبيقها في الواقع فعند هذه النقاط يفترق الفرقاء وننزل من السماء إلى معترك تفاصيل الحياة اليومية هذه التفاصيل التي يشكل الناس من خلاها حياتهم ووعيهم.
فإذا حاولنا الاستفادة من هذا الدرس في مراجعة مفهوم المرجعية الإسلامية فماذا عساها تكون تضميناتها؟
أول ما يلاحظ أن اعتماد المرجعية الإسلامية أمر مرتبط بالدولة لا المجتمع فهي المنوط بها تقرير هذه المرجعية في نظمها وقوانينها وفي هذا السياق تتم إدانة العلمانية باعتبارها فصلاً للدين عن الدولة وهو أمر بنظر القائلين بالمرجعية الإسلامية يتنافى مع طبيعة الدين الإسلامي ذاته "فالإسلام منذ نشأته الأولى ما قام على سُوقه إلا في ظل وجود دولة وسلطة حاكمة تستند إليه في الحكم والمرجعية"
ومن آسف فإن تكرار هذه المقولات باستغلال ما للدين من توقير ومكانة عالية في النفسية العربية أسبغ عليها طابع البدهيات برغم أنها تصطدم مع أبجديات التصور الإسلامي كما عبرت عنه السنة النبوية أو الخبرة الإسلامية في أكثر تطبيقاتها ارتباطاً بالسنة النبوية فالدعوة النبوية استهدفت إقامة المجتمع المسلم والدعوة إلى الإسلام و إقامة شعائر الدين منوط بالأمة المسلمة أما إسناد وظيفة دينية للدولة تستمد منها حقيتها في الحكم والتحكم فهو فكر دخيل وجد صياغته في المقولة المشهورة أن الدين أس والسلطان حارس وهذه المقولة تسللت إلى كتب الآداب السلطانية من الفكر الفارسي القديم الذي قام على تحالف الكهنة مع الحكام ولم يحتفظ الإسلام بفعاليته في حياة المسلمين بعد العهود الراشدة إلا بفضل نوع من الحلول الوسط بمقتضاه استأثر الحكام بشئون الحكم وتركوا للناس مجالاً مخصوصاً يمارسون فيه حياتهم وفق ما ترتضيه ضمائرهم وهذا ما يفسر ضمور الفقه الدستوري في الفقه الإسلامي مقارنة بازدهار فقه العبادات والمعاملات الفردية.
وخطورة مقولة المرجعية الإسلامية من حيث تضميناتها السياسة انها تنفي السياسة أصلاً فهي بهذه الصياغة العامة المجردة الفضفاضة تحمل جذور وأد الخلاف السياسي " فتحول الانتماء الحزبي إلى انتماء ديني، والخطأ السياسي إلى خلل في العقيدة، والمعارضة إلى شق عصا الطاعة، والتأييد إلى سنة وجماعة و لا يغني في هذا المقام القول بأن المرجعية الإسلامية تقتصر على الثوابت الإسلامية وأذكر هنا بما ورد في فتوى فضيلة شيخ الأزهر الراحل جاد الحق علي جاد الحق من أن الختان وهو فيما أتصور من الأمور الفرعية جداً والمسائل الخلافية من أنه إذا ما تظاهر أهل بلد على تركه وجب على إمام المسلمين قتالهم باعتبار انها من شعائر الدين الأساسية كما أن المشكلة ليست في الثوابت بذاتها بل في إعمالها في الواقع المعاش فلاشك أن العدل هو القيمة العليا في الدين الإسلامي لكن في موقف معين تتباين الآراء وتختلف في ما يحقق هذه القيمة .
ومن ناحية أخرى تصبح مقولة المرجعية الإسلامية سلاحاً سياسياً في الصراع السياسي بل وحتى في الحوار السياسي بين التيار السياسي الواحد فهب أنه ثار نقاش حول مد طريق في مكان ما فلن يعدم المؤيدون والمعارضون مستنداً من الفقه أو حتى من الأصول قرآناً وسنة لتبرير وجوب أو حرمة إقامة هذا الطريق ولنفترض أن المختلفين ينتميان لإحدى التيارات المتشحة بدعوى الدين ساعتها لن نسمع سوى دعاوى انتهاك حدود الحلال والحرام.
وقد يرى البعض أنه قد تم تطوير العديد من القواعد الأصولية الكلية والجزئية التي تضمن ضبط عملية الاجتهاد بما يضبط الخلاف جول هذه الثوابت وتحديد معالمها لكن هذه القواعد نفسها هي نتاج عقل بشري وأحياناً ما أدت لنتائج متناقضة حتى في مجال العبادات والشعائر فما بالك في مجالات العمل السياسي .
نعم يرى البعض أن في السياسة الشرعية متسع من حيث ارتباطها بمفهوم المصلحة المرسلة التي يتسع فهمها لاختلاف الأنظار لكن أعمال السياسة الشرعية وفق هذه الرؤية هي من اختصاص للإمام أو الحاكم وحده يقوم بها لمقتضى المصلحة للجماعة أو للأمة ويبقى مفترض فيها "ألا تصادم نصًّا مُحْكمًا من نصوص الشرع" دون نعرف ما نطاق هذا المحكم و من يقوم بتحديده اللهم إلا إذا كان الحاكم وحده هو المخول تحديد المصلحة وهو المخول تحديد عدم تعارض سياسته مع النصوص المحكمة .
والخطورة الأكبر ما تحمله هذه المقولة من إمكانات الحكم الاستبدادي الأشد ضراوة باسم الدين استناداً إلى اتجاهات وآراء متطرفة في الفقه عكست في كثير من الأحيان حالات الانحطاط التي عاشتها المجتمعات الإسلامية فمثلاص يجيز بعض الفقهاء القتل تعزيراً حتى دون شروط لقيام حالة التعزير هذه أو وضع ضمانات للتطبيق و هو ما لم أفهمه و لم أتفهمه حتى الآن ولو تم استغلال هذات الرأي لتم استئصال شأفة المعارضين سياسيين كانوا أو غير سياسيين.
في الوقت نفسه لا يجب أن يفهم من التحليل السابق أنه دعوة لتنحية الدين عن الحياة بل هو دعوة للنأي به عن التمترس خلفه واستخدامه في التراشق السياسي واحترام حق الناس في الاجتهاد وصولا لما يرونه محققاً لمصالحهم .
إن اختيار نمط معين من أنماط التدين هو اختيار مجتمعي يحسمه المجتمع بكل أفراده وفئته و لا أظن أن يرفض أحد هذا الاختيار أما التلبيس على الناس باسم الدين فهو ما يرفضه كل حر ينشد حياة أفضل لمجتمعه ووطنه

0 Comments:

Post a Comment

Subscribe to Post Comments [Atom]

<< Home