Tuesday, February 02, 2010

قراءات عن العدالة الانتقالية



Mccalpin, Jermin O., Justice under constraints: The nature of transnational justice in deeply divided societies, unpublished dissertation( Rhode Island: Brown university, 2006).
تهدف هذه الدراسة لبحث العدالة الانتقالية في المجتمعات المنقسمة في حالة جنوب أفريقيا وتحديدا تسعى لتطوير أنموذج يمكن إعماله بشكل جيد في هذه الحالة الدراسية (جنوب أفريقيا) دون أن تقتصر تضميناته للعدالة الانتقالية عليها ويقوم هذا النموذج على المذهب الليبرالي باعتبار أن النظرية الليبرالية للعدالة التي تتمحور حول العدالة الديمقراطية تقدم النموذج المثالي للعدالة وعليه فإن تقييم الأطروحة للنظريات المختلفة للعدالة الانتقالية (عدالة التجديد والتعافي و العدالة الجزائية والنموذج الذي تتبناه الأطروحة للعدالة التعويضية ) لا يجري استناداً لحيويتها وقابليتها للاستدامة وحسب بل حسب مدى مساعدتها في تقدم المفهوم الليبرالي للعدالة الديمقراطية.
وتعالج الأطروحة النظريات الليبرالية المختلفة حول العدالة الاقتصادية والتي تتمحور إما حول السوق كمدخل لتحقيق العدالة أو المدخل الأكثر مساواة الذي يدعو لتدخل الدولة في المجال الاقتصادي لتنظيم وإعادة توزيع المنافع والأعباء وتحاج الأطروحة بأن هذا المدخل الأخير هو الأنسب للعدالة التعويضية باعتبارها تستهدف تجاوز فترات التفاوت الاقتصادي والاجتماعي التي كرستها سياسة الأبارتهايد فالعدالة التعويضية تتبنى إجراءات تهدف لا لتأمين الوصول العادل للموارد المشتركة لمن حرموا منها سابقاً وحسب بل للتسوية العادلة بين الأنصبة من هذه الموارد . لكن هذا المدخل يجب أن يبقى ذا طابع انتقالي بحيث يمكن العدول عنه حالما تتوطد العدالة الديمقراطية ويمكن الاعتماد على مدخل السوق لتحقيق العدالة الاقتصادية فإذا عاد التوزيع لحالة الاختلال الشامل يمكن للحكومة أن ترجع لمدخل المساواة وهكذا.
وتتمثل الأطروحة الأساسية التي تدافع عنها هذه الدراسة أن العدالة الانتقالية تظل غير مكتملة وغير فعالة في المجتمعات عميقة الانقسام ما لم يضف إليها عنصر أساسي هو التعويضات باعتبارها محور تركيز الإجراءات التي تتعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان في هذه المجتمعات.
تعرض مقدمة الدراسة الأهمية النظرية والعملية لموضوع الدراسة والمدخل المقترح لمعالجتها وهو مدخل معياري بالأساس وإن كان يستفيد من المقترب الوصفي لدراسة الحالة (جنوب أفريقيا) أما الفصل الأول فيقدم شرحاً مفصلاً للعدالة الديمقراطية باعتبارها مثالاً وفي الوقت نفسه أنموذجاً واقعياً للعدالة وهو نموذج ضروري للمجتمعات عميقة الانقسام والعدالة الديمقراطية في أبسط معانيها أنها تعطي الأولوية والصدارة للتصور الديمقراطي للحياة لسياسية وهو بدوره يقدم تصوراً للديمقراطية يعزز العدالة ويقدم الفصل بيناً للكيفية التي يمكن أن تعمل بها العدالة الديمقراطية في المجتمعات شديدة الانقسام بالاستعانة بأدبيات منظرو النظرية الديمقراطية مثل شابيرو وجوتمان.
ويسعى الفصل الثاني للإجابة على التساؤل: أي نماذج العدالة الانتقالية يمكن أن يعمل على تمهيد الطريق للعدالة الديمقراطية وليس كنموذج فعال مؤقت فقط فيشرح هذا الفصل الأسس الأخلاقية للعدالة الديمقراطية والمشكلات المعنوية التي تعاني منها المجتمعات شديدة الانقسام وكيف يمكن أن تعالجها العدالة الديمقراطية ويقدم مجموعة من المعايير لتقييم نماذج العدالة الانتقالية(الجزائية وعدالة التجديد والتعافي و العدالة التعويضية ) ويناقش النموذج المثالي الليبرالي ويقارن نماذج العدالة الانتقالية به.
ويقيم الفصل الثالث النموذج الأول للعدالة الانتقالية وهو عدالة التجديد والتعافي كما تم تطويره وتطبيقه في جنوب أفريقيا بناءاً على تعيين لجنة الحقيقة والمصالحة فيها للمفهوم ويرى أن هذا النموذج مع أهميته فإن قابليته للحياة والتطبيق كنموذج للعدالة الانتقالية في جنوب أفريقيا ضعيفة نظراً لإخفاقه في تقديم نموذج للعدالة التعويضات كآلية أساسية للحفاظ على العدالة في جنوب أفريقيا فهذا النموذج وإن كان يقر بقيمة التعويضات فإنها لا تمثل فيه أحد أعمدته الأساسية كما أن دعوى عدالة التجديد والتعافي بتحقيق التجديد من خلال المصالحة تفتقر لنقطة وَسَط هي أنه لا يمكن تحقيق المصالحة دون عدالة ولا يمكن تحقيق العدالة دون تعويضات ومع ذلك فإن نموج عدالة التجديد والتعافي يطرح عدداً من النقاط يستفيد منها نموذج التعويضات.
ويناقش الفصل الرابع ويتناول بالتقييم أنموذج العدالة الجزائية واستكشاف إمكانات تطبيقه في جنوب أفريقيا نظراً لشعور البعض بالحاجة لأن تكون العدالة الانتقالية فيها أقوى أي ان تصبح جزائية فيستعرض الفصل النظريات المختلفة للعدالة الجزائية ويحاج بان العدالة الجزائية غير مؤهلة الأن تكون النموذج الأساسي للعدالة الانتقالية في جنوب أفريقيا لأسباب عديدة أهمها طبيعة عملية الانتقال في جنوب إفريقيا التي تمت من خلال التفاوض لذلك جرت التضحية بالمقاضاة والمعاقبة الجزائية في سبيل انتقال سلمي وحتى لو تم الخذ بهذا الأنموذج فإن انشغاله الشديد بالماضي سيؤثر على إمكاناته كنموذج شامل للعدالة الانتقالية فمثل هذا النموذج الشامل لابد أن يلتفت للماضي ويتطلع للمستقبل في آن واحد مع هذا تبقى العدالة الجزائية كأحد الملامح الضرورية لأي مجتمع منظم لكن فعاليته في حالة مثل جنوب أفريقيا محدودة.
ويعرض الفصل الخامس نموذج العدالة التعويضية الذي تدافع عنه الأطروحة باعتباره أكثر نظريات العدالة الانتقالية قابلية للبقاء والتطبيق فهذا النموذج يمتاز عن نموذج العدالة الجزائية وعدالة التجديد والتعافي بأنه يعنى بالمساواة المادية وتصحيح آثار سياسات الأبارتهايد (الفصل العنصري) حيث يرى هذا النموذج أن الأقل حظاً من بين أفراد الجماعات المضارة لابد أن تكون لهم الأولية في تطبيقات العدالة ويناقش هذا الفصل الأسس الليبرالية التي يشترك فيها نموذج التعويضات مع العدالة الديمقراطية
ويعرض الفصل الأخير لبض النتائج والاستخلاصات بشأن مستقبل العدالة الانتقالية ومدى إمكانية تطبيق نموذج التعويضات على المجتمعات الأخرى شديدة الانقسام وبالأخص بالنسبة للولايات المتحدة على الرغم من أن البعض قد لا يرى أنها تنطوي تحت تلك المجتمعات لكن الأطروحة تحاج بأنها تعاني انقساماً عميقاً بالنظر للتفرقة العنصرية وعلاقات الأجناس التي لازالت تمتد آثارها إلى اليوم.

Coll Murphy, The nature and moral importance of political reconciliation, unpublished dissertation, Chapel Hill, 2004.
تواجه المجتمعات التي تنتقل من حكم قمعي أو صراع أهلي إلى نظام اجتماعي عادل تحديات متميزة، ويحاج العديد من الباحثين أن الاستقرار طويل الأمد للنظم الديمقراطية حديثة النشأة يعتمد على قدرة الفرقاء السابقين على المصالحة، ويفترض هؤلاء الباحثون - بشكل نمطي- صحة هذه الدعوى دون محاولة إثبات حقيقتها، ومن ثم يفترضون قيمة أخلاقية للمصالحة السياسية، فمن الممكن الربط بشكل حدسي إقامة صلة بين نجاح عملية المقرطة والمصالحة السياسية لكن المهم هو تفسير طبيعة هذه الصلة، وبيان لماذا يتوقف أداء العملية الديمقراطية على المصالحة بين الفرقاء السابقين.
وعلى الرغم من المكانة البارزة التي يتبوأها مفهوم المصالحة في أدبيات العدالة الانتقالية فإنه لم يتم تطويره، كما أن ثمة افتراضات مشابهة تكمن خلف المناظرات حول إمكانية التبرير الأخلاقي لقيام لجان الحقيقة بالعفو عن مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، فالقضية المحورية في هذه المناظرات هي هل تكون الأولوية للمصالحة أم للجزاء وحتى يمكن تقويم كلا الموقفين لابد من الإجابة على سؤالين الأول إمبريقي هل تعزز لجان الحقيقة المصالحة دائما ً أم أحياناً أم أنها لا تعززها مطلقا؟ والثاني أخلاقي هل من المهم للمجتمعات في حالة انتقال أن تعزز المصالحة أم العدالة الجزائية ؟
وعلى هذا النحو فإن ثمة ميل لاستخدام مفاهيم محورية مثل المصالحة دون تقديم فهم ملائم ودقيق لمضامينها العملية والأخلاقية، فإلى أن نفهم بشكل دقيق مفهوم المصالحة ستظل أهداف السياسات والقضايا محل اهتمام المناظرات الأخلاقية غير واضحة، فعلى سبيل المثال ثمة إجماع ناشئ بين من يتناولون المصالحة السياسية على أنها تنطوي على مداواة العلاقات السياسية المضارة لكنهم يختلفون حول ما تستتبعه هذه المداواة فالبعض يفسر المداواة بمعنى إنهاء الكراهية والبعض يفهمها على أنها توطيد الاحترام المتبادل في حين يؤكد آخرون على ضرورة التوصل لتوافق حول الأمور التي لا يمكن التسامح فيها دون ان يقوم أي منهم بتفسير اختياره لهذا التحديد للمفهوم.
وعليه تسعى هذه الرسالة لتقديم فهم جديد للمصالحة السياسية وتحاج بأن مفهوم المصالحة السياسية يدل ضمنا على الأهداف والوسائل الواجب اتباعها فمفهوم معين للمصالحة يبرز دلالاتها الأخلاقية وأهميتها لعمل الديمقراطية وجدواها العملية.
فحالة المصالحة هي الهدف الذي تعززه بشكل نموذجي عملية المصالحة، وفي سياق العدالة الانتقالية يتمثل هذا الهدف في إنشاء علاقات سياسية ديمقراطية صحية، وتحلل الأطروحة هذه العلاقات السياسية حسب مفاهيم المثل الأساسية لخلقيات السياسة: احترام حكم القانون، ومساوة الفاعلين السياسيين، وذلك من خلال تحليل الجوانب الإشكالية في العلاقات السياسية التي تعد ملمحاً نمطياً للمجتمعات في حالة صراع أو تحت حكم قمعي بناء على المعطيات الإمبريقية لأدبيات علم السياسة، ثم تطوير مثال فلسفي لتقديم تفسير جديد للعلاقات السياسية في هذه المجتمعات.
وبناءً على فهم حالة المصالحة تقدم الأطروحة مجموعة من المعايير للحكم على فعالية العمليات المختلفة لتعزيز المصالحة السياسية.
في الفصل الأول تشرح الأطروحة مجموعة من الاعتبارات التي يجب الأخذ بها لدى تقويم دقة وملاءمة مفهوم معين للمصالحة السياسية، ومنها فهم المصالحة على أنها عملية قيد الاكتمال تتمثل في "حالة" قائمة حالياً، أي أنه يمكن التمييز بين "حالة" المصالحة و"عملية" المصالحة: فالأولى هي الخطوط العريضة للغاية التي تتوجه إليها عملية المصالحة، والأخيرة هي مسارات عمل متنوعة للوصول إلى هذه الغاية، فلابد لأي تحليل للمصالحة من أن يتناول هذين الجانبين، كما أن المفهوم لابد أن يجيب على عدد من الأسئلة المتصلة بالقيمة المعنوية للمصالحة، وأهميتها لعمل النظام الديمقراطي، وشروط تحققها عملياً في المجتمعات الانتقالية. ومن هذه الاعتبارات أيضاً السياق الذي يطبق فيه المفهوم، فتجلي الأطروحة في هذا الفصل الملامح الأساسية للمجتمعات الانتقالية الخارجة من حكم قمعي أو صراع أهلي، والتي يتمثل أهمها في: الطبيعة الخاصة لدور الأيديولوجيا – كنظام فكري – فيها حيث تستند النظم الشمولية في دعواها بالشرعية بأيدلوجية معينة يحتكر الحكام تفسيرها وتصبح أي معارضة لهذا التفسير غير قانونية، وتستقصي الأطروحة أثر الأيديولوجيا على المواطن العادي بالإشارة لحالة الأرجنتين والأبارتهايد في جنوب أفريقيا السمة الثانية هي المشاركة السياسية المقيدة حيث تقوم هذه النظم على التعبئة السياسية ويدور التنافس السياسي على السلطة بين النخب السياسية داخل الحزب أو الفئة الحاكمة وليس بين الأحزاب وتضمن سيطرة النخبة على التنظيمات الأهلية وضعف الأحزاب عدم وجود تنافس حقيقي على السلطة وغياب المعارضة السلمية الفعالة السمة الثالثة هي التحكم في المعلومات وفي إمكانية وصول المواطن العادي إليها غالباً من خلال الرقابة وغياب مصادر مستقلة للمعلومات وهو ما ينعكس في شيوع حالة من عدم التأكد في المجتمع وبروز دور الإشاعات بما لذلك من انعاكسات على التحقق من انتهاكات حقوق الإنسان والسمة الرابعة هي شيوع اللجوء للإرهاب والسمة الخامسة هي شيوع الإفلات من العقاب والمساءلة.
وتركز الأطروحة على طبيعة الصراعات في المجتمعات الانتقالية وطبيعة الموقف قبيل الانتقال موضحة لآثار السلبية للصراع الأهلي الممتد وآثار سمات المجتمعات الانتقالية على المواطن العادي، ففهم طبيعة هذه الآثار يوضح كيف أضرت بالعلاقات السياسية، وهي التي تدعو للقول بأن الديمقراطيات الناشئة لن تعمل إلا بعد تحقيق المصالحة.
ثم تعرض الأطروحة المفاهيم المختلفة للمصالحة في الأدبيات وتقويمها فتميز بين مفهومين للمصالحة السياسية: الأول يربط المصالحة بتماسك وترابط الحكاية، فحالة المصالحة توجد حينما يستطيع الأفراد إدماج الأحداث المربكة والمخربة في فهمهم لحكايتهم، فالخبرات المؤلمة تؤدي بالإنسان (والجماعات) لإعادة تفسيره لماضيه ورؤيته لمستقبله وتتحقق المصالحة عندما يتم استيعاب هذه الخبرة ضمن الإدراك الذاتي. والمفهوم الآخر ينطوي على استعادة وتجديد ومداواة العلاقات المضارة، وتتحقق حالة المصالحة عندما يقوم نوع معين من العلاقات السياسية حيث يتعلم الفرقاء السابقون العمل معاً دون عنف ويسعون للتغلب على عدم الثقة المتبادل، وفي إطار هذا الفهم للمصالحة يمكن التمييز بين صياغتين لمفهوم المصالحة: صياغة مشددة تؤكد على أن المصالحة تعني اختفاء الكراهية والعداء لذلك فهي تنطوي على الصفح من جانب من انتهكت حقوقهم الإنسانية وإقرار المنتهكين بمسئوليتهم عن هذه الانتهاكات بما يحقق نوعاً من التناغم والتوافق الاجتماعي، وهناك صياغة مخففة ترى المصالحة تتحقق لا بانعدام الكراهية بل بتحقق الاحترام المتبادل بين أفراد وفئات وجماعات المجتمع، بل وأحياناً بمجرد القبول المتبادل بالتعايش.
وتحاج الأطروحة بأن كلا المفهومين غير مكتمل ولا مرض لكن كليهما يتضمن أبعاداً هامة لابد لأي فهم للمصالحة أن يأخذ بها، وعليه تسعى الأطروحة لبحث نوعين من العلاقات السياسية: العلاقة بين المواطنين والمسئولين الرسميين والعلاقة بين المواطنين ببعضهم بعضاً وتناقش هذه العلاقات من خلال بعدين أساسيين: الأول هو ما تدعوه الأطروحة المكون المؤسسي للعلاقات السياسية فبقدر التأثير المتعاظم للقوانين على سلوك المواطنين ماذا يجب أن تكون عليه القواعد الديمقراطية والإجراءات السياسية والبعد الثاني هو جانب الاتجاهات والانفعالات في العلاقات السياسية والذي يثير أسئلة من قبيل:هل تتوافق العلاقات السياسية الديمقراطية مع مشاعر الكراهية بين المواطنين تجاه بعضهم بعضاً أوتجاه المسئولين الحكوميين ما الاتجاهات التي يجب أن يتبناها المواطنون لدى نظرهم في الدعاوى التي يدعيها المواطنون الآخرون وثمة مسألة تتصل بعضوية المجتمع السياسي: هل لابد للمواطنين الديمقراطيين أن يتشاركوا هوية قوية كما يتشاركون الهوية القومية هل لابد لأعضاء المجتمع السياسي أن يكون لهم تاريخ مشترك.
ويسعى الفصل الثاني "المصالحة السياسية وحكم القانون" لتطوير مفهوم للمصالحة بالإجابة على هذه الأسئلة بالتركيز على "حالة المصالحة" فيبحث العلاقة السياسية بين مسئولي الحكومة والمواطنين ويناقش أهمية الاحترام المتبادل - كأحد سمات العلاقة السياسية الصحية بينهما – لحكم القانون الذي يعد أحد العناصر الأساسية للديمقراطية التي تعد بدورها غاية الحالة الانتقالية.
وتحاج الأطروحة بأنه لابد لفهم العلاقات السياسية الصحية بين المواطنين ومسئولي الحكومة من التركيز على بنية خاصة يقيمها حكم القانون باعتباره يقتضي متطلبات معينة يتعين على صانع القانون احترامها وعندما يخضع المجتمع (المحكومون ومسئولي الحكومة ) لحكم القانون توجد قواعد واضحة تحدد السلوك السليم الذي يجب أن يسلكه المواطنون ومسئولو الحكومة وتحدد هذه القواعد شكل العلاقة السياسية ومن ناحية أخرى فإن احترام حكم القانون يتأسس على قيمة التبادل التي ترسي أساس قيام علاقة سليمة بين مسئولي الحكومة والمواطنين وتوظف الأطروحة مفهوم لون فولر لحكم القانون وقيمته الأخلاقية باعتباره السياق الذي ضمنه يمكن فهم الدور التأسيسي لمفهوم التبادل حيث حدد فوللر 8 متطلبات لقيام حكم القانون هي علنية القوانين وعدم رجعيتها والوضوح وعدم التناقض والثبات النسبي والاتساق بين القواعد المكتوبة وتنفيذها في الواقع وبطبيعة الحال قد لا يفي صانع القاعدة القانونية بكل هذه المتطلبات لكن الطابع القانوني لا ينسحب على القواعد التي لا تستجيب لغالبية هذه المتطلبات ولا يستحق النظام القانوني الذي يخرج بشكل نظامي عليها هذا الوصف ومن ثم يفقد الأساس المعياري لطاعة المواطنين له ويعم بينهم الاستياء منها وتطبق الدراسة هذا التحليل على انتهاكات حقوق الإنسان في حالتي الأرجنتين وجنوب أفريقيا حيث أدت هذه الانتهاكات إلى تقويض قاعدة التبادل التي تؤسس لالتزامات المواطنين ومسئولي الحكومة ويختتم الفصل بدفع اعتراضين يردان على هذا التحليل الأول يحاج بأنه لا يشرح بشكل سليم القيمة الأخلاقية لمتطلبات حكم القانون فاحترام حكم القانون له قيمة فقط من الناحية الأداتية الذرائعية ويرى الاعتراض الثاني أن التفسير الوارد لاحترام حكم القانون غير واف.
أما الفصل الثالث "المصالحة السياسية والمساواة" فينطلق من مقولة عدم كفاية احترام حكم القانون لوصف سمات العلاقة السياسية وبالأخص العلاقة بين المواطنين وبعض البعض والتي تتعرض للضر قبيل الانتقال في المنظم القمعية أو التي كانت في صراع لذلك تفترض الأطروحة أن العلاقات السياسية السليمة هي ضرورة علاقة بين متساوين مع تقديم فهم محدد للمساواة فالمواطنون يترابطون كمتساوين فقط إذا كانوا قادرين بشكل متساو على ممارسة فاعليتهم بشكل متساو في علاقاتهم السياسية فهي مساواة في الفاعلية agency تقوم على مفهوم للمواطنين كفاعلين أخلاقيين، وبهذا الوصف يملك المواطنون قدرة على تطوير واتباع مفهومهم الخاص لما هو خير وعلى تطوير معنى خاص للعدالة و التصرف وفقه فالمواطنزن يدخلون في علاقات متساوية فيما بينهم عندما يكونو قادرين بشكل متساو على تطوير وممارسة فاعليتهم في المجال السياسي والمدني وترى الأطروحة أن هذا الإطار يشرح كيف أن سمات العلاقات السياسية قبل الانتقال تقوض سلامتها وأهمية فهم المساواة بهذا النحو لصحة وسلامة العلاقات السياسية وفي هذا الصدد فإن هذا المفهوم – كما تحاج الأطروحة - أكفأ من مفهوم المساوة التوزيعية الليبرالي في فهم العلاقات السياسية بين المواطنين.
فالعلاقات التي تقوم على قمع أفراد مجموعة معينة بشكل نظامي تحبط قدرة أعضاء الجماعة المقموعة على ممارسة فاعليتهم وهذا القمع المنظم هو نتاج العديد من العوامل منها إنكار الحقوق والظروف المادية والحرمان من التعليم وعدم الوفاء بالاحتياجات الأساسية والاتجاهات التمييزية. وثمة ثلاثة متطلبات أساسية لتحقق علاقات المساواة في الفاعلية فلكي يترابط الموطنون كفاعلين متساوين لابد أن 1- يكونوا قادرين على التأثير على صياغة شروط التعاون الاجتماعي و 2- على اختيار من سيتفاعلون معهم وبأية شروط ويجب أن تعزز هذه الشروط أو على الأقل ألا تقوض قدرة المواطنين على العيش كفاعلين بشكل عام و 3- وأن تكون العلاقات السياسية مفضية إلى اتباع المرء لتصوره عما هو جيد وتطوير مفهومه للعدالة كما تضمن البنى المؤسسية والمعايير الاجتماعية واتجاهات المواطنين أن لهم اختيار حقيقي للكيفية التي سيتفاعلون بها ومع من يتفاعلون وأن يكون للمواطنين تأثير على عملية تشكيل قواعد التفاعل وأن يكونوا قادرين على اتباع مفهوم للخير والحفاظ على حسهم بالعدالة ضمن هذه التفاعلات. وكما يقر منظرو المساواة التوزيعية فإنه من المهم أن تقوم المؤسسات القانونية بتصنيف وحماية الحقوق المدنية والسياسية لكل المواطنين بشكل متساو. ويشرح هذا الفصل كيف يضر تحديد من يتمتعون بالحقوق السياسية العلاقات السياسية على مستويات عدة سواء بتقييد قدرة جماعة معينة على التأثير على شروط التعاون الاجتماعي أو بتقييد الطرق التي يتفاعل بها أفراد جماعة معينة مع أعضاء الجماعات الأخرى أو بتقويض إحساس الفرد باحترامه لذاته وهو الشرط المسبق للممارسة الفاعلية وبتقويض معنى العدالة والاحترام المتبادل وغيرها من العوامل المؤسسة للعلاقات السياسية الصحية على حين أن تترابط حرية الأفراد في ممارسة فاعليتهم في مختلف المجالات السياسية
وتعتمد فعالية الحقوق المدنية والسياسية التي يتمتع بها المواطنون على تصرفات واتجاهات المواطنين فالمواطنون قد لا يستخدمون أو غير قادرين على استخدام حقوقهم المدنية والسياسية نظراً لعوائق غير قانونية وبالإضافة إلى ذلك فإنه بقدر ما يتم استبعاد أعضاء جماعات معينة من عمليات تشكيل شروط التعاون بقدر ما تقل قدرتهم على اختيار من يتفاعلون معهم وقدرتهم على العمل وفق تصورهم لما هو خير.
ويسعى الفصل الرابع للإجابة على السؤال كيف يمكن تقييم قدرة الآليات المختلفة على تعزيز علاقات سياسية أكثر صحية حيث يدور أغلب المناظرات حول أي آليات العدالة الانتقالية أشد تعزيزاً للمصالحة هل المحاكمات أم التعويضات أم لجان الحقيقية لكن هذه المناظرات لا تشرح كيف تدعم الأسباب المطروحة الدعاوى المتنافسة بآثار معينة لهذه الآليات على المصالحة فمثلاً يحاج البعض يأن لجان الحقيقة والمصالحة تدعم المصالحة لأن افراد المجتمع يتعلمون حقيقة ونطاق الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان دون أن يكون إيضاح لماذا تشجع معرفة الحقيقة تطوير علاقات المساواة والاحترام المتبادل لحكم القانون
لكن لابد لتقييم تأثير لجان الحقيقة والمحاكمات على المصالحة لابد أولاً من وضع معايير لعمليات المصالحة وعملية وضع المعايير هذه بدورها محكومة بعدد من الاعتبارات منها ضرورة أن تتضمن جانبي العلاقات السياسية أي احترام حكم القانون ومساواة الفاعلين كما يجب أن تتضمن الاتجاهات والسلوكيات والمؤسسات الداعمة لحكم القانون
وتتمثل أهم هذه المعايير بالنسبة لحكم القانون في الاحترام المتبادل لحكم القانون و إقرار المسئولين بقيمة التبادل والثقة المتبادلة بين مسئولي الحكومة والمواطنين أما بالنسبة لمساواة الفاعلين فلابد من استيفاء الشروط المؤسسية مثل سماح هيكلية صنع القرار السياسي للمواطنين بممارسة التأثير على عملية صنع القرار وأن تحدد الانتخابات التي تجري بشكل مؤسسي ونزيه من يتولى السلطة وشكل ممارسته لها ولابد – ثانيا- من وجود اتجاهات معينة لدى المواطنين تجاه العملية السياسية وتجاه أقرانهم من قبيل قبول الحلي السلمي للخلافات السياسية دون عنف والتزامهم بتبرير رؤاهم السياسية للمواطنين الآخرين وقبول اختلاف رؤية المواطنين الآخرين.
وقياساً إلى هذه المعايير تطرح الرسالة تقييمها لأثر لجان الحقيقة والمصالحة والمحاكمات في الخبرات العملية وتخلص إلى أنه مع جدوى هذه المعايير فإنها تظل محكومة بالسياق الذي تطبق فيه.

0 Comments:

Post a Comment

Subscribe to Post Comments [Atom]

<< Home